جهود السلام في اليمن تصطدم بشبكة معقدة من المصالح

10-06-2023 09:13:37
more

تمر الأزمة اليمنية في الوقت الراهن بأخطر مراحلها في ظل الضبابية السائدة أمام جهود السلام الإقليمية والأممية التي تصطدم بشبكة معقدة من المصالح التابعة للأطراف اليمنية المنخرطة في الصراع منذ نحو ثماني سنوات.

وبما أن الحرب لم تكن في الأساس إلا من أجل صناعة السلام – كما يؤكد محللون– في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلام لم يعد مطلباً، بل هو خيار إجباري لا بد منه لإنقاذ البلاد والخروج من أزماتها المتراكمة وتخفيف وطأة الأزمة الإنسانية الأكبر على مستوى العالم.

لكن هل الأطراف اليمنية الفاعلة اليوم على الساحة مستعدة لتحقيق السلام؟ وهل هي مستعدة أيضاً لإعلاء مصالح الشعب اليمني على المصالح الخاصة؟ وما العواقب الناتجة عن عدم تحقيق السلام في حال أخفقت الأطراف في الوصول إليه؟

يرى خبراء في الشأن اليمني أن تعقيدات المشهد تجعل الجميع أمام معضلة غير قابلة للحل ولا التفكيك إلا بالحرب، وهو ما تريده جماعة الحوثي الانقلابية، محذرين من أن ذلك سيؤدي إلى حرب أهلية قادمة قد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة تُدخل اليمن مرحلة «الصوملة»، كما يتحول اليمن إلى أزمة منسية.

المحللون يعتقدون أن الأزمة اليمنية تحتاج إلى قفزة كبرى في ترتيب أوراق التعامل مع الملف اليمني وترتيب أوراق الشرعية، قبل أن تبلغ المأساة ذروتها وتنمو منظومات معقدة من الإرهاب بأوجه متعددة وتدخلات خارجية أكثر تعقيداً من الوضع الراهن.

صناعة السلام أمام شبح الحرب الأهلية

يقول الدكتور نجيب غلاب، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، إن السلام هو الخيار الأكثر جدوى لغالبية اليمنيين ومدعوم بقوة ومساعٍ حثيثة من التحالف والمجتمع الدولي. وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن الحرب في الأساس إلا من أجل صناعة السلام الذي ظل الاستراتيجية الأصل لدى الشرعية».

الجماعة الحوثية بحكم منظومتها العقدية – حسب غلاب- تؤسس لولاية سياسية واجتماعية واقتصادية شمولية وطغيانية وعنصرية، ما يجعل الحرب خيارها الوحيد، ناهيك بحجم المصالح التي تُراكمها «الحوثية» وارتباطاتها الخارجية وضعف الضغوط عليها من الداخل والخارج. وتابع: «بالنسبة لليمنيين لم يعد السلام مطلباً بل هو خيار إجباري لا بد منه لإنقاذ اليمن والخروج من أزماته المتراكمة وتخفيف وطأة المأساة الإنسانية، وهذا ما يدفع الشرعية لتقديم التنازلات كافة لسحب (الحوثية) إلى طاولة الحوار والتفاوض، وكذلك يبذل التحالف جهوداً كبيرة ويقدم الحوافز ووضع اليمن على طريق التنمية والسلام».

لكنّ غلاب يرى أن حاجة اليمن للسلام والمبالغة في التدليل، دفع جماعة الحوثي إلى رفع سقف مطالبها حتى وصلت حد إلغاء بقية اليمنيين وإقصائهم، وقال: «تسعى الجماعة لفرض سلطة شمولية مطلقة عنصرية على أسس كهنوتية، كذلك تهدد السعودية والأمن والسلم الدوليين، وتتعامل مع التفاوض بوعي منتحر يهدد الجميع».

إعادة قراءة المشهد

وخلص الدكتور نجيب، وهو أستاذ سابق لعلم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، إلى أن «الحوثية لا تسير باتجاه السلام، ولن تقدم تنازلات من أجل الدولة والسلام، فهي ليست مهتمة باليمن كدولة ومجتمع ولا بالتنمية والتقدم بل ببناء جهازها الموازي وتقويته وتوسيع سيطرته وتحالفاته، كما أن لديها قناعة بأن الحرب الشاملة ضدها غير ممكنة من الخارج، وأن ثورة داخلية مستحيلة».

وأضاف: «نحن أمام معضلة غير قابلة للحل ولا التفكيك إلا بالحرب، وهذا ما تريده الحوثية، ولذلك فإن الحرب الأهلية المتقطعة في اليمن قادمة وستكون عواقبها أكثر خطراً مما حدث في الفترات السابقة، وقد تبلغ المأساة ذروتها، وقد تنمو منظومات معقدة من الإرهاب بأوجه متعددة وتدخلات خارجية أكثر تعقيداً، مما يجعل اليمن يدخل في شتات أخطر من الصوملة، وهذا احتمال قوي».

ووفقاً للدكتور غلاب، «إن لم تتم إعادة قراءة المشهد، وطبيعة (الحوثية)، وحالة الشتات اليمني، ووضع الشرعية الذي وصل إلى القاع... سندخل في معضلات مركبة وأكثر تعقيداً من الوضع الراهن».

وفي رؤيته للحل، قال الدكتور نجيب: «نحتاج إلى قفزة كبرى في ترتيب أوراق التعامل مع الملف اليمني، وترتيب أوراق الشرعية، وممارسة أقصى ضغط ممكن على (الحوثية)، وحصار شامل ومتعدد الأوجه داخلياً وخارجياً على الجهاز الموازي لـ(الحوثية) بجميع شبكاته بما في ذلك الطابور الخامس».

فجوة متزايدة بين الأطراف

من جانبه، يوضح الدكتور عبد العزيز جابر، وهو باحث يمني في الإعلام السياسي، أن السلام في اليمن في ظل المعادلة القائمة يعد مسألة معقَّدة ولكن ليست مستحيلة.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «هنالك بقعة ضوء في هذا المسار بدأت تَلوح في الأفق تمثلت في زيارة السفير السعودي لدى اليمن إلى صنعاء بمعيّة الوفد العماني».

وفي رده على سؤال عمّا إذا كانت الأطراف اليمنية مستعدة للسلام، تحدث جابر عن الفجوة الموجودة بين مواقف أطراف الصراع وتصوراتها لمستقبل اليمن، مبيناً أن هذه المواقف من أهم التحديات أمام إحلال السلام، وتابع: «الفجوة تتجلى في تمسُّك الحكومة الشرعية بالقرار 2216 في حين ترفض جماعة الحوثي تماماً تطبيق هذا القرار جملةً وتفصيلاً، بل لا يبدو أي مؤشر لقبولها بأي تسويات أخرى لعودة الوضع لما كان عليه قبل انقلابها».

ولفت الدكتور عبد العزيز إلى أن «المناطق المحررة وبخاصة الجنوبية يبرز موقف المجلس الانتقالي الجنوبي وعدد من المكونات الجنوبية والتي تُحكم قبضتها العسكرية والأمنية، وهذه القوى تسعى إلى استعادة استقلال جنوب اليمن، أو بالحد الأدنى منح أبنائه حق تقرير المصير، في الوقت الذي تعد مكونات سياسية يمنية أخرى ومنها حزب الإصلاح الوحدة اليمنية من أهم الثوابت الوطنية وترفض المساومة عليها».

وأضاف: «في ظل هذه التصورات فإن التوفيق بين أطراف الصراع يبدو حتى مهمة صعبة ومعقدة بسبب رفض معظمهم تقبل حقيقة أنَّهم ليسوا قادرين على فرض رؤيتهم على بقية الأطراف».

ويرى الباحث في الإعلام السياسي أن من أبرز المعوقات التي تقف أمام تحقيق سلام مستدام في اليمن هو ما حققه الحوثيون من سيطرة شاملة بلغت عمق الدولة ومفاصلها، محذراً من أن «العواقب تُبرز المخاوف من استمرار الصراع والدخول في حرب استنزاف طويلة المدى تُدخل اليمن في مرحلة صعبة، ويتحول اليمن إلى أزمة منسية يبسط الحوثيون سيطرتهم على الشمال، مع الخوف من أن تفقد الحكومة الشرعية سيطرتها على عدن وباقي المحافظات خصوصاً مع تردي الخدمات».

وأشار جابر إلى حديث محافظ حضرموت الأخير عن أن «الحضارم يحملون رسالة سلام وتعايش، لكن لم يعد باستطاعتهم الانتظار سنوات لحسم صراعات أزلية».

عناد يقابله خوف وتشتت

بدوره، يعتقد لطفي نعمان، كاتب سياسي يمني، أن التحركات السياسية التي شهدتها السنة الأخيرة تستحق التشجيع مهما اعترضها من عثرات متوقَّعة، على حد تعبيره. وأوضح أن «أطراف (اليمننة) متشبثون بتحقيق السلام إنما كلٌّ على طريقته، ووفق رؤيته الخاصة التي يريد فرضها على الطرف الآخر».

وحسب نعمان فإن «أكبر تحدٍّ يقف في طريق السلام في اليمن يتمحور في عناد وتعنت يقابله تخوف وتشتت». وأضاف: «بدلاً من أن يجلسوا جميعاً لبحث النقاط الممكن التوافق عليها، يتضح أنهم يرفضون الجلوس معاً، حسب تصريحات بعض المطلعين، كما يتباعدون جميعاً بطرح كل ما يمكن الاختلاف حوله، فيؤخرون الوصول للتسوية المرجوة».

عواقب أي تأخير في الوصول لتسوية نبلغ بها مرحلة السلام –وفقاً للطفي نعمان- لا يتحملها ولم يتحملها ولن يتحملها سوى المواطن المحروم من راتبه، وحريته، وكل حقوقه الأساسية. وقال: «يفترض من جميع الفاعلين في المشهد حث كل الأطراف اليمنية على تأكيد إنسانيتهم وشعورهم بالمسؤولية الوطنية تجاه اليمن، كل اليمن واليمنيين، ويجب أن يتنبهوا إلى أن السلام لليمن خير وأبقى».

 

(الشرق الأوسط)