في تحدٍ للمجتمع الدولي تمسكت جماعة الحوثي بموقفها تجاه السفن المتجهة من وإلى إسرائيل في البحر الأحمر.
وقال المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام لـ”رويترز”، “موقفنا لن يتغير في اتجاه القضية الفلسطينية، سواء تم إنشاء تحالف بحري أم لم يتم إنشاء تحالف بحري، موقفنا المساند لفلسطين وقطاع غزة حتى إنهاء الحصار وإدخال الغذاء والدواء ومساندة الشعب الفلسطيني المظلوم ستبقى مستمرة”.
وامتد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس إلى ما هو أبعد من قطاع غزة حيث طاول البحر الأحمر عبر هجمات تشنها جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران ضد السفن بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وأدى ذلك إلى تشكيل عملية بحرية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في المنطقة، لكن الحوثيين قالوا إنهم سيستمرون على أي حال وربما بشن عملية بحرية كل 12 ساعة.
وقال المكتب السياسي لجماعة الحوثي في بيان، الثلاثاء 19 ديسمبر/ كانون الأول، إن التحالف الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر يأتي في إطار الحرب على الشعب الفلسطيني، مضيفاً أن التحالف يتناقض مع القانون الدولي.
وأطلقت الولايات المتحدة، الثلاثاء، عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، حيث أجبرت هجمات الحوثيين شركات شحن كبرى على تغيير مساراتها، مما أثار المخاوف في شأن الاضطرابات المستمرة في التجارة العالمية.
ومنذ الشهر الماضي، أطلقت جماعة الحوثي التي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في اليمن بعد سنوات من الحرب، طائرات مسيرة وصواريخ على سفن دولية تبحر عبر البحر الأحمر، وهي هجمات تقول إنها تأتي رداً على الهجوم الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة الذي تديره حركة حماس.
وقال بيان الحوثيين إن التحالف الدولي الذي أعلنته أميركا بحجة حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر إنما هو تحالف لحماية إسرائيل وحماية السفن الإسرائيلية، وهو جزء لا يتجزأ من الحرب على الشعب الفلسطيني وعلى غزة وعلى الأمة العربية والإسلامية”.
وأضاف البيان: إن التحالف “يهدف إلى تشجيع إسرائيل لمواصلة جرائمها الوحشية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، إن هذا التحالف يتناقض مع القانون الدولي ولا يحمي الملاحة البحرية بل يهددها ويسعى إلى عسكرة البحر الأحمر لصالح إسرائيل”.
وتابع: “القوات المسلحة اليمنية وهي تنفذ عملياتها ضد العدو الإسرائيلي فإنها لا تمثل أي تهديد لأي دولة في العالم، فهي فقط تستهدف سفن العدو الإسرائيلي أو السفن المتجهة إلى موانئه”.
وجاء فيه أيضاً “نؤكد أن الشعب اليمني ثابت على موقفه المبدئي المساند للشعب الفلسطيني حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة”.
وفي وقت سابق الثلاثاء، قال القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي عضو ما يعرف باسم المجلس السياسي الأعلى باليمن لقناة العالم الإيرانية إن أي دولة تتحرك ضد اليمن ستستهدف سفنها في البحر الأحمر.
تنديد أطلسي أوروبي
أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والعديد من الدول، بما في ذلك اليمن، بياناً مشتركاً الثلاثاء يدين “تدخل الحوثيين في الحقوق والحريات الملاحية” في ظل الهجمات في البحر الأحمر.
وقال الموقعون على البيان “يشجع الموقعون أدناه جميع الدول على الامتناع عن تسهيل أو تشجيع الحوثيين، ولا يوجد أي مبرر لهذه الهجمات التي تؤثر في العديد من الدول خارج الإعلام التي تبحر تحتها هذه السفن”.
قال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي، الثلاثاء 19 ديسمبر/ كانون الأول، إن الهجمات التي يشنها مسلحون يمنيون تدعمهم إيران في البحر الأحمر يتعين أن تتوقف، مضيفاً: إن الولايات المتحدة وشركاءها سيواصلون حماية السفن.
خيارات بديلة
ارتفعت أسعار الشحن العالمية بشكل كبير، وسارعت الشركات لتجنب أي تعطيل للشحنات بعد أن أدت هجمات على السفن في البحر الأحمر، الثلاثاء، إلى عرقلة حركة المرور عبر قناة السويس الشريان الرئيس لحركة التجارة العالمية.
وأجبرت هجمات شنتها جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران على السفن خلال الأيام القليلة الماضية شركات شحن رائدة مثل “ميرسك” على تغيير مسار سفنها واتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب المرور في قناة السويس التي تعد أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا.
وأعادت الهجمات إلى الأذهان ما حدث في عام 2021 عندما جنحت سفينة الحاويات “إيفر جرين” في القناة مما أدى إلى تعطيل حركة العشرات من سفن الحاويات لمدة ستة أيام. وقد يتسبب الاضطراب الحالي في ارتفاع كلفة الشحن بشكل حاد، لكن هذه المعدلات لا تزال أقل بكثير من مستويات ذروة جائحة كوفيد-19.
وشكلت شركة “إلكترولوكس” السويدية، أكبر شركة في العالم لتصنيع الأجهزة المنزلية، فريق عمل لإيجاد طرق بديلة أو تحديد عمليات التسليم ذات الأولوية، في حين حذرت مجموعة “إنتر إيكيا” ومقرها هولندا من نقص محتمل في بعض المنتجات.
وقال إيتان بوشمان كبير مسؤولي التسويق في شركة “فريتوس” وهي منصة لنظام الحجز والمدفوعات للشحن الدولي إن سعر شحن حاوية من الصين إلى البحر المتوسط بلغ اعتباراً من الثلاثاء 2413 دولاراً بعد أن ارتفع 44 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بسبب التعطل. وكان قد وصل إلى مستوى منخفض بلغ 1371 دولاراً في وقت سابق من هذا العام.
لكن هذا المعدل لا يزال أقل بكثير من أعلى مستوى بلغه في فترة الجائحة في يناير (كانون الثاني) 2022 وهو 14158 دولاراً عندما تأخرت شحنات البضائع لعدة أشهر بسبب نقص سفن الحاويات المتاحة. ومع تراجع الطلب الاقتصادي العالمي وخاصة في الصين لم يتمكن أصحاب السفن من ملء السفن بالحاويات.
وقالت “إلكترولوكس” في وقت متأخر من يوم الإثنين إنها تتوقع أن يكون أي تأثير في عمليات التسليم محدوداً. وعملت المجموعة السويدية مع شركات شحن مثل “ميرسك” و”سي أم أيه”.
وقالت شركة “إنتر إيكيا” في بيان إنها تبحث عن خيارات نقل بديلة لقناة السويس التي تعد طريقاً رئيساً للشركة الرائدة في صناعة الأثاث. وأضافت “الوضع في القناة سيؤدي إلى تأخيرات وقد يتسبب في قيود على توفر بعض منتجات إيكيا”.
ويعبر من قناة السويس نحو 12 في المئة من حركة الشحن في العالم.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستقود عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر.
ومع توفر المزيد من قدرات الشحن الآن، لا يرى محللون وخبراء أن الأزمة شديدة لكنهم يتوقعون ارتفاع أسعار الشحن.
وستتكلف الرحلة الأطول ما يصل إلى مليون دولار إضافية من الوقود لكل رحلة ذهاباً وإياباً بين آسيا وشمال أوروبا وفقاً لتقديرات مؤشر زينيتا للشحن.
زيادة التضخم
ومن المرجح أن ينقل تجار التجزئة والمصنعون الكلفة المرتفعة إلى المستهلكين، مما قد يؤدي إلى زيادة التضخم خلال أزمة كلفة المعيشة الطويلة.
وقال بيتر ساند كبير المحللين في مؤشر “زينيتا” للشحن “هذه كلفة ستنتقل في نهاية المطاف إلى المستهلكين الذين يشترون السلع”.
وقال الخبراء إن السفر عبر جنوب القارة الأفريقية سيطيل مدة الرحلة من آسيا إلى شمال أوروبا وشرق البحر المتوسط نحو عشرة أيام. وتستغرق الرحلة عادة نحو 27 يوماً للإبحار من شنغهاي في الصين إلى ميناء روتردام الهولندي.
وقالت شركة “موزاييك” الأميركية للأسمدة الإثنين إنها غيرت مسار سفينتين متجهتين إلى الولايات المتحدة ليمرا عبر طريق رأس الرجاء الصالح.
وقالت شركة الألبان العملاقة “دانون” إنه تم تحويل مسار معظم شحناتها مما يؤدي إلى زيادة أوقات العبور. وقال متحدث باسم المجموعة إنه إذا استمر الوضع لأكثر من شهرين إلى ثلاثة أشهر فسوف تقوم المجموعة بتفعيل خطط التخفيف من المخاطر بما في ذلك استخدام طرق بديلة عبر البحر أو البر حيثما كان ذلك ممكنا.
وأحجمت شركة “وول مارت”، أكبر مستورد أميركي عبر سفن الحاويات، عن التعليق.
عمليات تخفي
أظهرت بيانات “أل أس أي جي” أن هناك ما لا يقل عن 11 سفينة حاويات كانت قد عبرت قناة السويس وتقترب من اليمن على متنها سلع استهلاكية وحبوب في طريقها إلى دول مثل سنغافورة وماليزيا والإمارات، راسية الآن في البحر الأحمر بين السودان والسعودية.
وأظهرت البيانات أن أربع سفن حاويات تابعة لشركة “أم أس سي” في البحر الأحمر أوقفت أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها منذ 17 ديسمبر فيما يرجح أن يكون محاولة لتجنب اكتشافها.
كما قامت ثلاث سفن للغاز الطبيعي المسال بتعديل مساراتها لتجنب المرور باليمن، وفقاً لبيانات تتبع السفن من “كيبلر” وأل أس أي جي أيكون”.
وقال إيوانيس باباديميتريو، كبير محللي الشحن في “فورتيكسا”، إن السفن تحاول إخفاء مواقعها من خلال تثبيت نفسها بمواقع أخرى، كإجراء احترازي للسلامة عند دخول الساحل اليمني.
وقال مصدر في صناعة الشحن “ستقوم معظم السفن بإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها في مرحلة ما في تلك المياه”.
وأظهر تحليل الذي أجرته شركة (ون وارد) للذكاء الاصطناعي البحري أن عدد حالات إخفاء مواقع سفن الشحن داخل المياه المحيطة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة للسعودية في البحر الأحمر زاد إلى 81 في نوفمبر (تشرين الثاني) ارتفاعاً من 74 في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن بلغ متوسطها 42 بين أكتوبر 2022 وسبتمبر (أيلول) 2023.
وجاء في منشور استرشادي أصدرته اتحادات الشحن البارزة في 15 ديسمبر أن السفن التي قامت بتشغيل وإيقاف نظام تحديد الهوية الآلي تعرضت للهجوم.
وقال التحذير إن “إيقاف تشغيل نظام التعرف الآلي يجعل تعقب السفينة أكثر صعوبة بشكل طفيف، لكنه قد يعطل أيضاً قدرة الجيش على تقديم الدعم أو الاتصال المباشر”.
تعليق الإبحار
أوقفت شركة “ميرسك” الدنماركية يوم الجمعة سير جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر موقتاً بعد “حادث وشيك” يتعلق بسفينتها “ميرسك جبل طارق”، وأظهرت بيانات “أل أس أي جي” أن عدداً من السفن الراسية في البحر الأحمر هي سفن “ميرسك”.
وقالت الشركة، الثلاثاء، إن السفن التي توقفت في السابق وكان من المقرر أن تبحر عبر جنوب البحر الأحمر وخليج عدن سيتم إعادة توجيهها حول أفريقيا.