في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الحكومات الغربية وحلفاؤها العرب يعتقدون أن القضية الفلسطينية لم تعد ذات أهمية بالنسبة للمنطقة لكن حرب غزة وضعت الدول العربية في زاوية تنقاض المصالح.
وشكل هذا الاعتقاد الأساس لفكرة مفادها أن التطبيع العربي مع إسرائيل، من دون حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، من شأنه أن يجلب السلام والأمن الإقليميين.
لكن العنف الذي شهدته غزة والذي يهدد اليوم باندلاع حريق إقليمي كبير، أظهر أن هذا التقييم ينطوي على عيوب عميقة.
ولعل خير مثال على ما تقدم ما تواجهه دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، مع ارتفاع عدد القتلى منذ بداية أحداث هذا الشهر.
إن الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس على المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي خلف أكثر من 1400 قتيل إسرائيلي واحتجاز مئات الأشخاص كرهائن، كان بمثابة صدمة حقيقية للمسؤولين الإماراتيين.
كما كان مقتل أكثر من 9000 فلسطيني، بحسب ما أُفيد في القصف الإسرائيلي الذي أعقب ذلك على غزة مزلزلاً أيضًا.
عمل موازنة دقيق
وفي خضم تداعيات الحرب بين حماس وإسرائيل، تواجه أبو ظبي الآن تحديًا يتمثل في الحفاظ على توازنها الدقيق.
وعندما يتعلق الأمر بالتجارة والسياحة والتكنولوجيا والاستثمار مع إسرائيل، فإن الإمارات العربية المتحدة لديها مصالح في البناء على العلاقة.
ويمكن القول أيضًا أن أبو ظبي هي المستفيد الأكبر من اتفاقيات إبراهيم في واشنطن، حيث أدى التطبيع مع تل أبيب إلى زيادة النفوذ الإماراتي والقدرة على المناورة.
ومنذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، نجحت الإمارات في جعل صناع السياسة الأميركيين يغضون الطرف عنها في بعض الملفات لدى احتضانها على سبيل المثال الرئيس السوري بشار الأسد، ولدى تنسيقها المزعوم مع شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في أفريقيا، واتخاذها موقفًا محايدًا نسبيًا بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن التعاون الدفاعي والأمني مع الصين.
أما العواصم العربية الأخرى التي لم تقم علاقات رسمية مع تل أبيب، بما في ذلك الرياض، فقد تلقت معاملة أقل تساهلًا في واشنطن.
ومع ذلك، يجب على القيادة الإماراتية أيضًا تلبية احتياجات الفئات المؤيدة للفلسطينيين، على الصعيدين المحلي والإقليمي. ويدرك المسؤولون في أبو ظبي أن القضية الفلسطينية أهم من أن يتم تجاهلها بالكامل.
طوال هذا العام، اتخذ المسؤولون الإماراتيون خطوات للنأي بأنفسهم عن إسرائيل وحكومتها اليمينية الحالية.
وباعتبارها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، صاغت الإمارات في فبراير/شباط مشروع قرار يدعو إسرائيل إلى وقف توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعلى الرغم من أن واشنطن ضغطت على أبو ظبي لإسقاط مشروع القانون، إلا أن المسودة أظهرت استعداد الإمارات لانتقاد تصرفات الحكومة الإسرائيلية على الرغم من اتفاقيات إبراهيم.
وباعتبارها الدولة العربية الوحيدة حاليًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن هناك أيضًا مستوى عالٍ من المسؤولية التي تتحملها دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بكيفية اتخاذ قرار بشأن الاستجابة لأزمة غزة.
وقال باتريك ثيروس، سفير الولايات المتحدة السابق في قطر لأمواج.ميديا “إن هجوم حماس ونجاحه والمجازر اللاحقة فاجأت الإمارات بقدر ما فاجأت أي دولة أخرى”.
ووصف الوضع الحالي بأنه “مبهم” بالنسبة للقيادة الإماراتية، وقال إن حكام أبوظبي “لا يعرفون كيف سينتهي الأمر، لذلك سيميلون إلى الحفاظ على الوضع الراهن حتى يروا كيف تتطور الأمور”.
وقد سلط رد الإمارات العربية المتحدة على عملية “طوفان الأقصى”، وهو الاسم الذي أطلقته حماس على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، الضوء على هذا التوازن الدقيق.
فقد انتقدت وزارة الخارجية الإماراتية في 8 أكتوبر/تشرين الأول حماس بسبب “تصعيدها الخطير”، قائلة إنها “شعرت بالفزع” من التقارير التي أفادت بأن مدنيين إسرائيليين أُخذوا كرهائن.
وشدد البيان أيضًا على أن “المدنيين من الجانبين يجب أن يتمتعوا دائمًا بالحماية الكاملة بموجب القانون الإنساني الدولي ويجب ألا يكونوا أبدًا هدفًا للصراع”.
رد فعل الإمارات جاء متناقضًا وردود الفعل الرسمية القطرية والسعودية التي امتنعت عن إدانة حماس.
وقالت الدكتورة ميره الحسين، عالمة الاجتماع الإماراتية والزميلة الباحثة في جامعة إدنبرة لموقع أمواج.ميديا إن رد الإمارات “اعتبر غير مرض في المنطقة مقارنة بالتصريحات الصادرة عن دول الخليج الأخرى” التي “حرصت على التأكيد على دور الاحتلال [الأراضي الفلسطينية] والاستفزازات الإسرائيلية بتطور الوضع إلى نقطة الذروة التي وصل إليها في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وبالتوازي مع إدانة تصرفات حماس، أدانت أبو ظبي إسرائيل بسبب قصفها المستشفى الأهلي العربي في غزة.
وأوضحت الدكتورة حسين أن “الإمارات تتبنى موقفًا مماثلًا لذاك الذي انتهجته في الحرب الأوكرانية الروسية من خلال الامتناع عن تعليق العلاقات مع إسرائيل، وترى أنه من المفترض الحفاظ على نافذة الفرص مفتوحة مع حماس عبر تجنب وصمها بالإرهاب في إشارة إلى الجماعة المسلحة أو الأفعال التي ارتكبتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول”.
وتتعامل الإمارات أيضًا مع حقيقة أن اتفاقيات إبراهيم لم تمنحها تأثيرًا كبيرًا على الإسرائيليين أو الفلسطينيين علمًا أن القيادة الإماراتية لم تتوقع ربما مثل هذه النتيجة.
وقال الدكتور أندرياس كريغ، الأستاذ المشارك في قسم دراسات الدفاع بكلية كينغز كوليدج في لندن لأمواج.ميديا: “منذ البداية عرفت الإمارات أن التطبيع لم يكن أبدًا يتعلق بفلسطين أو إسرائيل”.
وأضاف أن الأمر “كان في المقام الأول يتعلق بإبقاء الأميركيين سعداء وتوسيع الشبكات [الإماراتية] والنفوذ في واشنطن”، وأن التطبيع مع إسرائيل “ساعد بالتأكيد، ولا يزال يساعد كثيرًا اليوم” في هذا الإطار تحديدًا.
لكن الدكتور كريغ أشار أيضًا إلى أن هذا “يضع الإماراتيين في موقف صعب يتمثل في الاضطرار إلى التوفيق بين العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإبقاء شبكاتهم المؤيدة لإسرائيل في واشنطن سعيدة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على رضا الرأي العام المحلي.