الممرات المائية وجها آخر للخلاف وسبب رئيس للأزمة..

تقاطع المصالح يعمق الخلاف الإماراتي ‏السعودي في اليمن ويقوض جهود السلام

04-10-2023 21:00:11
more

على الرغم من البيانات الرسمية التي طالما أكدت قوة العلاقة بين ‏الإمارات والسعودية، وأن البلدين في خندق واحد بمختلف المواقف ‏في المنطقة، إلا أن رقعة الخلافات بدت واضحة وآخذة بالاتساع بفعل العديد من المؤشرات.

ومنذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية مطلع عام ‏‏2015، فقد شهدت علاقة البلدين تناغما واضحا في عدة ملفات ‏بالمنطقة، وعلى رأسها الموقف من الربيع العربي، وما ينسحب ‏عليه من ملفات أخرى كالعلاقة مع قطر وتركيا، فضلا عن الحرب ‏في اليمن.‏

غير أن ذلك الحلف لم يدم طويلا مع تناقض مواقف البلدين علانية، ‏في عدة ساحات للصراع، ناهيك عن صراع النفوذ الذي بدا ‏واضحا، مع المتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية مؤخرا.‏

ولم يقتصر الخلاف السعودي الإماراتي على النفوذ في اليمن أو ‏السودان بل تعداه إلى صراع نفوذ وزعامة بدا متجذرا، مع تباين في ‏الرؤى السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الخلاف القديم حول ‏الحدود.‏

صراع زعامة واقتصاد

يتجلى الخلاف السعودي والإماراتي خصوصا في السنوات الأخيرة ‏في الملف الاقتصادي وصراع النفوذ أكثر من أي وقت مضى، حيث ‏أدى ضعف دول كبرى في المنطقة مثل مصر والعراق، إلى تنامي ‏الدور الخليجي المدعوم بالثراء والعلاقات مع الغرب.‏

يطمح ابن زايد وابن سلمان، لملء الفراغ في المنطقة التي تعج ‏بالصراعات، فضلا عن تبنيهما سياسات اقتصادية متقاطعة، حيث ‏يطمح كل منهما في جعل دولته المركز التجاري والاقتصادي الأول ‏في المنطقة، غذى ذلك تغير وجه السعودية المحافظ، على يد ولي ‏العهد الجديد الذي توعد غير مرة بريادة اقتصادية عالمية.‏

خطوات الرياض لا يبدو أنها راقت لأبو ظبي رغم أنها كانت ‏الداعم الأساس لتولي ابن سلمان السلطة في السعودية، فمحمد بن زايد ‏لا يريد أن تأخذ الرياض أو جدة مكانة دبي في الخليج العربي.‏

بدأ الأمر في شباط/ فبراير 2021، عندما أعلنت السعودية توجيه ‏إنذار نهائي لشركات متعددة الجنسيات بضرورة نقل مقارها ‏الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024، وخلافا لذلك فإنها ستخسر ‏تعاقداتها الحكومية.‏

وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز"، أن الإمارات تنظر للقرار ‏السعودي المتعلق بالشركات متعددة الجنسيات بأنه هجوم ضمني ‏على دبي، المركز التجاري للبلاد حيث تتمركز معظم هذه الشركات ‏هناك.‏

وفي ذات العام قررت الرياض استثناء بضائع واردة من مناطق ‏حرة أو مرتبطة "بإسرائيل" من الامتيازات الجمركية المتفق عليها ‏مع دول الخليج، وهذا مثل تحديا اقتصاديا للإمارات التي تستفيد من ‏نموذج المنطقة الحرة.‏

وبالعودة إلى عام 2009، يظهر حرص أبو ظبي على بقائها ‏منفردة كمركز تجاري واقتصادي قي المنطقة، فقد انسحبت من ‏مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي لعدم عدم ‏اختيارها مقرا للمصرف المركزي الخليجي المستقبلي.‏

وكان ملف النفط حاضرا وبقوة على أجندة البلدين، حيث خرج ‏للعلن منتصف 2021، عندما عارضت الإمارات مقترحا سعوديا ‏روسيا لتمديد اتفاق قيود الإنتاج ثمانية أشهر أخرى في تحالف ‏أوبك بلس.‏

وقال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان حينها، إن "‏المقترح السعودي الروسي بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج حظي ‏بقبول الجميع، ما عدا دولة الإمارات، وإذا كانت هناك تحفظات ‏لدى أي دولة، فلماذا سكتت عنها سابقا؟".‏

وكان رد أبو ظبي لا يقل حدة، حيث ذكر وزير الطاقة الإماراتي ‏سهيل المزروعي، أن "مطلب بلاده هو العدالة والإنصاف، وأن ‏بلاده تريد المعاملة بالمثل كبقية الدول، ولا يمكن أن نقبل باستمرار ‏الظلم والتضحية، أكثر مما صبرنا وضحينا".‏

وعلى إثر ذلك توقفت مباحثات أوبك حينها، وردت السعودية ‏بتعليق رحلاتها الجوية إلى الإمارات بذريعة تفشّي وباء كورونا في ‏دبي التي يزورها الكثير من السياح.‏

وعن ذلك تقول صحيفة "فايننشال تايمز"، إن "تدهور العلاقات ‏السعودية-الإماراتية متعلق بإصرار الإمارات على توسيع طاقتها ‏الإنتاجية لدعم خطط تنويع النفط، مشيرة إلى أن الخلاف النفطي ‏يندرج ضمن المنافسة الاقتصادية المتصاعدة بين الدولتين".‏

حول هذه النقطة يقول مصدر سعودي مطلع لـ "عربي21”, إن "‏فكرة التنافس والاحتراب غير موجودة في علاقات دول مجلس ‏التعاون الخليجي خصوصا أن السعودية بمثابة الشقيقة الكبرى ‏للجميع، وهي تتحمل الأعباء الكبرى لحماية وضمان استقرار ‏المنطقة، وخير مثال على ذلك الحرب في اليمن التي تحملت ‏السعودية الجزء الأكبر منها".‏

وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الخلافات ‏بين البلدين مجرد تباين رؤى لن يحدث صدعا بالعلاقة، خصوصا ‏أن الإمارات والمملكة يقدمان دائما مصلحة البيت الخليجي ككل".‏

في المقابل رفض عدة صحفيين ومحللين إماراتيين الحديث عن ‏الموضوع، إلا أن أحدهم طلب عدم الكشف عن اسمه قال، إن ‏"السعودية هي التي تنافس الإمارات على النفوذ وليس العكس، حيث ‏يحاول الأمير محمد بن سلمان استنساخ التجربة الإماراتية بحذافيرها ‏وهذا لا يمثل خطرا على أبو ظبي التي سبقت الرياض بكثير في ‏هذا المجال".‏

وتابع في حديث لـ "عربي21”: "كون السعودية دولة كبيرة لا يعني ‏بالضرورة أن تكون هي مركز القرار الخليجي أو حتى ‏الاقتصادي، وهناك نماذج ناجحة لدول صغيرة كسنغافورة مثلا، ‏التي تجاوزت الكثير من الدول الكبيرة بنهضتها".‏

حرب اليمن

كانت السعودية والإمارات حليفتين خلال العملية العسكرية ضد ‏جماعة الحوثي في اليمن باسم عاصفة الحزم التي انطلقت عام ‏‏2014.‏

وسريعا، استدارت الإمارات من محاربة الحوثيين إلى محاولة ‏السيطرة على المواقع الجيوستراتيجية على سواحل اليمن وخاصة ‏ميناءي عدن والمخاء والمناطق المطلة على مضيق باب المندب.‏

عمدت الإمارات على إنشاء مليشيات المجلس الانتقالي الموالية لها ‏في اليمن، حيث فرضت سطوتها على السواحل الجنوبية للبلاد بما ‏فيها ميناء عدن وعدد من الجزر.‏

نهاية 2019 انسحبت أبو ظبي عسكريا من اليمن، وتركت ذراعا ‏طويلة تحقق مصالحها هناك عبر المجلس الانتقالي على حساب ‏الحكومة المدعومة من السعودية.‏

وشكل قرار الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، إقالة ‏عيدروس الزبيدي محافظ عدن الموالي للإمارات، دليلا واضحا على تناقض سياسات البلدين في اليمن، حيث ‏تدعم الرياض مركزية الحكومة في عدن بينما تدعم أبوظبي ‏المجلس الانتقالي الطامح لانفصال جنوب اليمن.‏

وعقب تجميد السعودية الصراع مع الحوثيين، ومحاولتها إنهاء ‏الحرب هناك بالتوازي مع إحياء علاقتها بإيران، زادت حدة ‏الخلاف بين البلدين وصار الحديث عن انفصال "اليمن الجنوبي" ‏احتمالا قائما، وبالطبع بدعم من الإمارات.‏

وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، أحدث ‏المتكلمين بهذا الشأن، إذ دعا في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، دول ‏الخليج العربي إلى العمل معا في الجهود المبذولة لإنهاء الصراع ‏المستمر منذ سنوات في اليمن الذي عزز نفوذ إيران، بحسب ‏بلومبيرغ.‏

وقال أيضا في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي، إن واشنطن تركز ‏على التوفيق بين الرياض وأبو ظبي، مبينا أن هدف السعودية ‏والتزامها في إنهاء الصراع في اليمن، يلتقي مع رغبة الإمارات ‏في التوصل إلى النتيجة ذاتها.‏

وتابع: "نحن نتكلم منذ سنوات، وفي الأشهر الماضية مع السعودية ‏والإمارات وعمان وغيرها، وهذه المباحثات مستمرة وقوية ‏ونشطة، وهي تحدث هنا أيضا في نيويورك".‏

وجاء حديث ليندركينغ بعد أيام من مباحثات في أبوظبي والرياض، ‏لتجنب أن تؤدي التوترات بين البلدين والفصائل التي تدعمهما إلى ‏تقويض الجهود المبذولة لإنهاء الصراع، وفقا لمسؤولين يمنيين ‏نقلت عنهم بلومبيرغ. ‏

وذكرت بلومبيرغ أن الخلاف العميق بين الرياض وأبوظبي بشأن ‏اليمن يعقد محاولة تحويل الهدنة المبدئية مع جماعة الحوثي ‏المدعومة من إيران إلى اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار ودفع ‏محادثات السلام بوساطة أممية، مشيرة إلى أن الخلاف الإماراتي ‏السعودي يمثل عقبة أمام إنهاء الحرب في البلاد.‏

ويعتبر تنافس البلدين على الممرات المائية وجها آخر للخلاف في ‏اليمن، وربما يكون جوهر التدخل الإماراتي هناك، لا سيما أنها لا ‏تعادي جماعة الحوثي من ذات المنطلقات التي تتبناها السعودية، ‏بالإضافة إلى اختلاف أبو ظبي والرياض حول الموقف من النفوذ ‏الإيراني في المنطقة.‏

وتتيح سيطرة الإمارات على سواحل اليمن بما فيها محافظة ‏حضرموت وميناء المكلا على بحر العرب، توسع الهيمنة على ‏الموانئ، خصوصا أنها مدت أذرعها للجهة المقابلة في أريتريا ‏والصومال وقد بنت هناك قواعد عسكرية ودخلت باستثمارات ‏اقتصادية.‏

ويذكر المصدر السعودي المطلع، أن "أمن اليمن مهم لكل الدول ‏الخليجية خصوصا تلك التي تعرضت بشكل مباشر لضرر الحرب ‏مثل السعودية والإمارات، ولهذا فإن الحل هناك لن يكون سعوديا ‏خالصا أو إماراتيا خالصا، بل بما يضمن مصلحة الجميع ويلبي ‏مطالب اليمنيين".‏

وتابع، بأن "السعودية لن تسمح بمحاولة لي الأذرع أو فرض الأمر ‏الواقع في اليمن، وجميع الأطراف سواء الداخلية أو الخارجية ‏مدركة أنها لن تتمكن من فرض واقع جديد يعيد عقارب الساعة ‏للوراء".‏

من جانبه يقول الصحفي الإماراتي لـ "عربي21"، إن "الإمارات ‏من حقها التفكير بمصالحها كما تفعل السعودية، وأن استثمار ‏وإعمار البنية التحتية للموانئ اليمنية أولوية لأبو ظبي كما أن تأمين ‏الحدود الجنوبية للسعودية أولوية لها".‏

وأضاف أن "اليمن الموحد لم يعد موجودا على الأرض سوى فقط ‏في الرؤية السعودية للحل، وليس من المنطقي المضي قدمها برؤية ‏تعاند الواقع الموجود بفعل القوة والتاريخ".‏

حرب السودان

أظهر الصراع في السودان وجها آخر للخلاف السعودي الإماراتي، ‏وبدا تقاطع البلدين واضحا في دعم أطراف النزاع، فالرياض ‏دعمت صراحة الجيش بقيادة البرهان وحاولت وقف الحرب ‏باستضافة مباحثات جدة التي فشلت بمسعاها، بينما دأبت الإمارات ‏على إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة.‏

وتقول مجلة "فورين بوليسي أن "الصراع بين الجنرالين المتنافسين ‏ليس مجرد نزاع داخلي، بل يمتد إلى منافسة بين الإمارات ‏والسعودية لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.‏

وذكرت المجلة أن "قوات الدعم السريع ستكون شوكة في خاصرة ‏البرهان وفاعليه الخارجيين، ما يمنح الإمارات نفوذا إضافيا في ‏مستقبل البلاد ويساعد على ترسيخ أبوظبي كقوة بارزة ناشئة في ‏الخليج".‏

وباعتبارهما من القوى المهيمنة الناشئة في الشرق الأوسط، فقد ذكرت ‏المجلة أن الرياض وأبوظبي الآن "على خلاف، فكل منهما يسعى ‏للسيطرة على موارد السودان وطاقته وبوابات الخدمات اللوجستية ‏من خلال التوافق مع البرهان وحميتي، على التوالي".‏

وتثق الإمارات في حميدتي، لأن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا ‏نشطين في جنوبي اليمن، منذ عام 2015، بحسب المجلة.‏

ومنذ بداية الحرب أمدت أبو ظبي الدعم السريع بالأسلحة، ‏والمعدات، عن طريق حفتر ذراعها في ليبيا.‏

الخلاف الحدودي القديم

يعتبر الخلاف حول الحدود بين السعودية والإمارات، الحاضر ‏الغائب، إذ تطفو الأزمة للعلن بين الحين والآخر، خصوصا أنه ‏يتعلق بالثروة النفطية الموجودة تحت تراب المنطقة.‏

ويعود أصل الخلاف إلى واحة "البريمي" الحدودية التي كانت ‏مقسمة بين عمان وأبو ظبي خلال الاحتلال البريطاني، بينما تطالب ‏السعودية بالمنطقة.‏

وفي عام 1974 وقع البلدان اتفاقية جدة، تعترف السعودية بموجبها ‏بالإمارات كدولة، وفي المقابل حصلت المملكة على مجموعة من ‏الأراضي الغنية بالنفط في الحدود بين البلدين.‏

واستحوذت السعودية على ساحل يبلغ طوله 50 كيلو مترًا ‏يفصل بين قطر والإمارات، بالإضافة لجزيرة الحويصات وحقل ‏‏"شيبة" الذي يمتد جزء منه لداخل الإمارات، مقابل التنازل عن ‏الجزء الذي تطالب به من واحة "البريمي".‏

حاولت أبو ظبي بعد ذلك استعادة تلك الأراضي، لكن الرياض ‏رفضت ذلك رفضا تماما، حتى قاطعت الإمارات عام 1999 ‏مدعومة من سلطنة عمان مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لمجلس ‏التعاون الخليجي في السعودية، احتجاجا على عدم تقاسم عائدات ‏حقل "شيبة" النفطي.‏

وفي عام 2004 بعد أن تولى خليفة بن زايد آل نهيان رئاسة ‏الإمارات، حاول تصحيح الاتفاقية مؤكدا أن بلاده اضطرت لتوقيعها في ‏ظرف استثنائي، وأنها اتفاقية ظالمة، لكن لم يلق تجاوبا من ‏السعودية.‏

وبلغت الأزمة ذروتها عندما منعت السعودية دخول الإماراتيين ‏أراضيها عام 2009، ببطاقة الهوية بسبب احتوائها على خريطة ‏تظهر أراض سعودية على أنها جزء من الإمارات.‏

وفي عام 2020 أثار نجل رئيس الإمارات سلطان بن خليفة عاصفة ‏من الجدل عندما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خريطة ‏تضم منطقة خور العديد التي تسيطر عليها السعودية.‏