على الرغم من البيانات الرسمية التي طالما أكدت قوة العلاقة بين الإمارات والسعودية، وأن البلدين في خندق واحد بمختلف المواقف في المنطقة، إلا أن رقعة الخلافات بدت واضحة وآخذة بالاتساع بفعل العديد من المؤشرات.
ومنذ وصول محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية مطلع عام 2015، فقد شهدت علاقة البلدين تناغما واضحا في عدة ملفات بالمنطقة، وعلى رأسها الموقف من الربيع العربي، وما ينسحب عليه من ملفات أخرى كالعلاقة مع قطر وتركيا، فضلا عن الحرب في اليمن.
غير أن ذلك الحلف لم يدم طويلا مع تناقض مواقف البلدين علانية، في عدة ساحات للصراع، ناهيك عن صراع النفوذ الذي بدا واضحا، مع المتغيرات التي شهدتها الساحة السياسية مؤخرا.
ولم يقتصر الخلاف السعودي الإماراتي على النفوذ في اليمن أو السودان بل تعداه إلى صراع نفوذ وزعامة بدا متجذرا، مع تباين في الرؤى السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الخلاف القديم حول الحدود.
صراع زعامة واقتصاد
يتجلى الخلاف السعودي والإماراتي خصوصا في السنوات الأخيرة في الملف الاقتصادي وصراع النفوذ أكثر من أي وقت مضى، حيث أدى ضعف دول كبرى في المنطقة مثل مصر والعراق، إلى تنامي الدور الخليجي المدعوم بالثراء والعلاقات مع الغرب.
يطمح ابن زايد وابن سلمان، لملء الفراغ في المنطقة التي تعج بالصراعات، فضلا عن تبنيهما سياسات اقتصادية متقاطعة، حيث يطمح كل منهما في جعل دولته المركز التجاري والاقتصادي الأول في المنطقة، غذى ذلك تغير وجه السعودية المحافظ، على يد ولي العهد الجديد الذي توعد غير مرة بريادة اقتصادية عالمية.
خطوات الرياض لا يبدو أنها راقت لأبو ظبي رغم أنها كانت الداعم الأساس لتولي ابن سلمان السلطة في السعودية، فمحمد بن زايد لا يريد أن تأخذ الرياض أو جدة مكانة دبي في الخليج العربي.
بدأ الأمر في شباط/ فبراير 2021، عندما أعلنت السعودية توجيه إنذار نهائي لشركات متعددة الجنسيات بضرورة نقل مقارها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024، وخلافا لذلك فإنها ستخسر تعاقداتها الحكومية.
وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز"، أن الإمارات تنظر للقرار السعودي المتعلق بالشركات متعددة الجنسيات بأنه هجوم ضمني على دبي، المركز التجاري للبلاد حيث تتمركز معظم هذه الشركات هناك.
وفي ذات العام قررت الرياض استثناء بضائع واردة من مناطق حرة أو مرتبطة "بإسرائيل" من الامتيازات الجمركية المتفق عليها مع دول الخليج، وهذا مثل تحديا اقتصاديا للإمارات التي تستفيد من نموذج المنطقة الحرة.
وبالعودة إلى عام 2009، يظهر حرص أبو ظبي على بقائها منفردة كمركز تجاري واقتصادي قي المنطقة، فقد انسحبت من مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي لعدم عدم اختيارها مقرا للمصرف المركزي الخليجي المستقبلي.
وكان ملف النفط حاضرا وبقوة على أجندة البلدين، حيث خرج للعلن منتصف 2021، عندما عارضت الإمارات مقترحا سعوديا روسيا لتمديد اتفاق قيود الإنتاج ثمانية أشهر أخرى في تحالف أوبك بلس.
وقال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان حينها، إن "المقترح السعودي الروسي بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج حظي بقبول الجميع، ما عدا دولة الإمارات، وإذا كانت هناك تحفظات لدى أي دولة، فلماذا سكتت عنها سابقا؟".
وكان رد أبو ظبي لا يقل حدة، حيث ذكر وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، أن "مطلب بلاده هو العدالة والإنصاف، وأن بلاده تريد المعاملة بالمثل كبقية الدول، ولا يمكن أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية، أكثر مما صبرنا وضحينا".
وعلى إثر ذلك توقفت مباحثات أوبك حينها، وردت السعودية بتعليق رحلاتها الجوية إلى الإمارات بذريعة تفشّي وباء كورونا في دبي التي يزورها الكثير من السياح.
وعن ذلك تقول صحيفة "فايننشال تايمز"، إن "تدهور العلاقات السعودية-الإماراتية متعلق بإصرار الإمارات على توسيع طاقتها الإنتاجية لدعم خطط تنويع النفط، مشيرة إلى أن الخلاف النفطي يندرج ضمن المنافسة الاقتصادية المتصاعدة بين الدولتين".
حول هذه النقطة يقول مصدر سعودي مطلع لـ "عربي21”, إن "فكرة التنافس والاحتراب غير موجودة في علاقات دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا أن السعودية بمثابة الشقيقة الكبرى للجميع، وهي تتحمل الأعباء الكبرى لحماية وضمان استقرار المنطقة، وخير مثال على ذلك الحرب في اليمن التي تحملت السعودية الجزء الأكبر منها".
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الخلافات بين البلدين مجرد تباين رؤى لن يحدث صدعا بالعلاقة، خصوصا أن الإمارات والمملكة يقدمان دائما مصلحة البيت الخليجي ككل".
في المقابل رفض عدة صحفيين ومحللين إماراتيين الحديث عن الموضوع، إلا أن أحدهم طلب عدم الكشف عن اسمه قال، إن "السعودية هي التي تنافس الإمارات على النفوذ وليس العكس، حيث يحاول الأمير محمد بن سلمان استنساخ التجربة الإماراتية بحذافيرها وهذا لا يمثل خطرا على أبو ظبي التي سبقت الرياض بكثير في هذا المجال".
وتابع في حديث لـ "عربي21”: "كون السعودية دولة كبيرة لا يعني بالضرورة أن تكون هي مركز القرار الخليجي أو حتى الاقتصادي، وهناك نماذج ناجحة لدول صغيرة كسنغافورة مثلا، التي تجاوزت الكثير من الدول الكبيرة بنهضتها".
حرب اليمن
كانت السعودية والإمارات حليفتين خلال العملية العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن باسم عاصفة الحزم التي انطلقت عام 2014.
وسريعا، استدارت الإمارات من محاربة الحوثيين إلى محاولة السيطرة على المواقع الجيوستراتيجية على سواحل اليمن وخاصة ميناءي عدن والمخاء والمناطق المطلة على مضيق باب المندب.
عمدت الإمارات على إنشاء مليشيات المجلس الانتقالي الموالية لها في اليمن، حيث فرضت سطوتها على السواحل الجنوبية للبلاد بما فيها ميناء عدن وعدد من الجزر.
نهاية 2019 انسحبت أبو ظبي عسكريا من اليمن، وتركت ذراعا طويلة تحقق مصالحها هناك عبر المجلس الانتقالي على حساب الحكومة المدعومة من السعودية.
وشكل قرار الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، إقالة عيدروس الزبيدي محافظ عدن الموالي للإمارات، دليلا واضحا على تناقض سياسات البلدين في اليمن، حيث تدعم الرياض مركزية الحكومة في عدن بينما تدعم أبوظبي المجلس الانتقالي الطامح لانفصال جنوب اليمن.
وعقب تجميد السعودية الصراع مع الحوثيين، ومحاولتها إنهاء الحرب هناك بالتوازي مع إحياء علاقتها بإيران، زادت حدة الخلاف بين البلدين وصار الحديث عن انفصال "اليمن الجنوبي" احتمالا قائما، وبالطبع بدعم من الإمارات.
وكان المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، أحدث المتكلمين بهذا الشأن، إذ دعا في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، دول الخليج العربي إلى العمل معا في الجهود المبذولة لإنهاء الصراع المستمر منذ سنوات في اليمن الذي عزز نفوذ إيران، بحسب بلومبيرغ.
وقال أيضا في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي، إن واشنطن تركز على التوفيق بين الرياض وأبو ظبي، مبينا أن هدف السعودية والتزامها في إنهاء الصراع في اليمن، يلتقي مع رغبة الإمارات في التوصل إلى النتيجة ذاتها.
وتابع: "نحن نتكلم منذ سنوات، وفي الأشهر الماضية مع السعودية والإمارات وعمان وغيرها، وهذه المباحثات مستمرة وقوية ونشطة، وهي تحدث هنا أيضا في نيويورك".
وجاء حديث ليندركينغ بعد أيام من مباحثات في أبوظبي والرياض، لتجنب أن تؤدي التوترات بين البلدين والفصائل التي تدعمهما إلى تقويض الجهود المبذولة لإنهاء الصراع، وفقا لمسؤولين يمنيين نقلت عنهم بلومبيرغ.
وذكرت بلومبيرغ أن الخلاف العميق بين الرياض وأبوظبي بشأن اليمن يعقد محاولة تحويل الهدنة المبدئية مع جماعة الحوثي المدعومة من إيران إلى اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار ودفع محادثات السلام بوساطة أممية، مشيرة إلى أن الخلاف الإماراتي السعودي يمثل عقبة أمام إنهاء الحرب في البلاد.
ويعتبر تنافس البلدين على الممرات المائية وجها آخر للخلاف في اليمن، وربما يكون جوهر التدخل الإماراتي هناك، لا سيما أنها لا تعادي جماعة الحوثي من ذات المنطلقات التي تتبناها السعودية، بالإضافة إلى اختلاف أبو ظبي والرياض حول الموقف من النفوذ الإيراني في المنطقة.
وتتيح سيطرة الإمارات على سواحل اليمن بما فيها محافظة حضرموت وميناء المكلا على بحر العرب، توسع الهيمنة على الموانئ، خصوصا أنها مدت أذرعها للجهة المقابلة في أريتريا والصومال وقد بنت هناك قواعد عسكرية ودخلت باستثمارات اقتصادية.
ويذكر المصدر السعودي المطلع، أن "أمن اليمن مهم لكل الدول الخليجية خصوصا تلك التي تعرضت بشكل مباشر لضرر الحرب مثل السعودية والإمارات، ولهذا فإن الحل هناك لن يكون سعوديا خالصا أو إماراتيا خالصا، بل بما يضمن مصلحة الجميع ويلبي مطالب اليمنيين".
وتابع، بأن "السعودية لن تسمح بمحاولة لي الأذرع أو فرض الأمر الواقع في اليمن، وجميع الأطراف سواء الداخلية أو الخارجية مدركة أنها لن تتمكن من فرض واقع جديد يعيد عقارب الساعة للوراء".
من جانبه يقول الصحفي الإماراتي لـ "عربي21"، إن "الإمارات من حقها التفكير بمصالحها كما تفعل السعودية، وأن استثمار وإعمار البنية التحتية للموانئ اليمنية أولوية لأبو ظبي كما أن تأمين الحدود الجنوبية للسعودية أولوية لها".
وأضاف أن "اليمن الموحد لم يعد موجودا على الأرض سوى فقط في الرؤية السعودية للحل، وليس من المنطقي المضي قدمها برؤية تعاند الواقع الموجود بفعل القوة والتاريخ".
حرب السودان
أظهر الصراع في السودان وجها آخر للخلاف السعودي الإماراتي، وبدا تقاطع البلدين واضحا في دعم أطراف النزاع، فالرياض دعمت صراحة الجيش بقيادة البرهان وحاولت وقف الحرب باستضافة مباحثات جدة التي فشلت بمسعاها، بينما دأبت الإمارات على إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة.
وتقول مجلة "فورين بوليسي أن "الصراع بين الجنرالين المتنافسين ليس مجرد نزاع داخلي، بل يمتد إلى منافسة بين الإمارات والسعودية لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.
وذكرت المجلة أن "قوات الدعم السريع ستكون شوكة في خاصرة البرهان وفاعليه الخارجيين، ما يمنح الإمارات نفوذا إضافيا في مستقبل البلاد ويساعد على ترسيخ أبوظبي كقوة بارزة ناشئة في الخليج".
وباعتبارهما من القوى المهيمنة الناشئة في الشرق الأوسط، فقد ذكرت المجلة أن الرياض وأبوظبي الآن "على خلاف، فكل منهما يسعى للسيطرة على موارد السودان وطاقته وبوابات الخدمات اللوجستية من خلال التوافق مع البرهان وحميتي، على التوالي".
وتثق الإمارات في حميدتي، لأن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا نشطين في جنوبي اليمن، منذ عام 2015، بحسب المجلة.
ومنذ بداية الحرب أمدت أبو ظبي الدعم السريع بالأسلحة، والمعدات، عن طريق حفتر ذراعها في ليبيا.
الخلاف الحدودي القديم
يعتبر الخلاف حول الحدود بين السعودية والإمارات، الحاضر الغائب، إذ تطفو الأزمة للعلن بين الحين والآخر، خصوصا أنه يتعلق بالثروة النفطية الموجودة تحت تراب المنطقة.
ويعود أصل الخلاف إلى واحة "البريمي" الحدودية التي كانت مقسمة بين عمان وأبو ظبي خلال الاحتلال البريطاني، بينما تطالب السعودية بالمنطقة.
وفي عام 1974 وقع البلدان اتفاقية جدة، تعترف السعودية بموجبها بالإمارات كدولة، وفي المقابل حصلت المملكة على مجموعة من الأراضي الغنية بالنفط في الحدود بين البلدين.
واستحوذت السعودية على ساحل يبلغ طوله 50 كيلو مترًا يفصل بين قطر والإمارات، بالإضافة لجزيرة الحويصات وحقل "شيبة" الذي يمتد جزء منه لداخل الإمارات، مقابل التنازل عن الجزء الذي تطالب به من واحة "البريمي".
حاولت أبو ظبي بعد ذلك استعادة تلك الأراضي، لكن الرياض رفضت ذلك رفضا تماما، حتى قاطعت الإمارات عام 1999 مدعومة من سلطنة عمان مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لمجلس التعاون الخليجي في السعودية، احتجاجا على عدم تقاسم عائدات حقل "شيبة" النفطي.
وفي عام 2004 بعد أن تولى خليفة بن زايد آل نهيان رئاسة الإمارات، حاول تصحيح الاتفاقية مؤكدا أن بلاده اضطرت لتوقيعها في ظرف استثنائي، وأنها اتفاقية ظالمة، لكن لم يلق تجاوبا من السعودية.
وبلغت الأزمة ذروتها عندما منعت السعودية دخول الإماراتيين أراضيها عام 2009، ببطاقة الهوية بسبب احتوائها على خريطة تظهر أراض سعودية على أنها جزء من الإمارات.
وفي عام 2020 أثار نجل رئيس الإمارات سلطان بن خليفة عاصفة من الجدل عندما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خريطة تضم منطقة خور العديد التي تسيطر عليها السعودية.