يثير التدهور المتجدد للعملة اليمنية قلقاً واسعاً في اليمن بعد فترة من الاستقرار تزيد عن عام ونصف، تخللتها تعهدات بودائع مالية من دول وجهات مانحة وصناديق تمويلية، والتزام حكومي بتنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية ومؤسسية شاملة لاستيعاب هذه التعهدات، في ظل ظروف حرجة تمر بها البلاد مع تفاقم الأزمات المعيشية والإنسانية.
وسجل الريال اليمني في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري أسوأ انهيار له منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي، بعد تراجعه القياسي الذي لامس 1500 ريال مقابل الدولار من نحو 1200 ريال، في حين يشهد استقراراً ملحوظاً في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين عند 553 ريالا للدولار.
ويثير اقتصاديون ومصرفيون الشكوك حول الوضع المالي والنقدي لليمن، وتصنيفه في مستوى الخطر الشديد في ظل توقعات مقلقة من نفاد احتياطي العملات الأجنبية التي أكد البنك المركزي في عدن أنها عبارة عن معلومات وتوقعات مغلوطة وغير صحيحة.
يأتي ذلك وسط تصاعد أزمة تواصل الانقسامات الاقتصادية، وتوقف تصدير النفط المورد الوحيد للدولة بعد استهداف الحوثيين لموانئ التصدير نهاية العام الماضي 2022.
وفي أول رد فعل على الأزمة الاقتصادية والنقدية المتفاقمة وانهيار سعر صرف الريال اليمني، أكدت الحكومة اليمنية أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما أسمته الحرب التي يشنها الحوثيون على الاقتصاد الوطني، والتي ستضطرها كما قالت لمراجعة الخطوات التي اتخذتها ضمن بنود الهدنة الأممية، وإعادة النظر في التسهيلات المتصلة بتشغيل ميناء الحديدة ومطار صنعاء.
ويرجع مصدر مصرفي مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة إلى استهداف موانئ تصدير النفط من قبل الحوثيين، وفقدان أهم مورد مالي من العملة الصعبة يتم الاعتماد عليه في تغطية الاحتياجات والالتزامات الحكومية لتخفيف الأزمة الإنسانية والمعيشية لليمنيين، وتغطية فاتورة الاستيراد للسلع والمواد الغذائية الأساسية، نافياً في الوقت ذاته الأنباء التي تتحدث عن لجوء البنك المركزي مرة أخرى للطباعة النقدية لمواجهة أزمة التدهور الراهن للعملة المحلية.
رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (منظمة أهلية يمنية) مصطفى نصر، يؤكد في هذا الخصوص لـ"العربي الجديد"، أن أزمة التدهور والاضطراب الحاصل في العملة المحلية وسعر الصرف يعود إلى شح النقد الأجنبي كما هو معروف، مع توقف تصدير النفط منذ نحو عام وبطء استخدام الودائع سواءً السعودية أو الإماراتية، إضافة إلى تراجع مستوى الدعم من النقد الأجنبي.
تشكل مختلف هذه المستجدات ضغطا كبيرا في الطلب على العملة الصعبة بحسب نصر، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية في ظل تلكؤ المتعهدين والشركاء في دعم ومساعدة الحكومة اليمنية.
وتقول الحكومة اليمنية إنها قدمت خلال مرحلتي الهدنة الأممية المعلنة وغير المعلنة تنازلات عدة للدفع بمسار التهدئة والحل السلمي للأزمة، وتخفيف حدة المعاناة الإنسانية عن كاهل اليمنيين.
ومن جانبه، يعدد الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي، لـ"العربي الجديد"، مجموعة من العوامل للتحرك الحالي في سعر صرف الريال اليمني، معظمها غير اقتصادية، كتأخر الدعم السعودي الخاص بالموازنة رغم استمرار المفاوضات بشأن ذلك، ونشر أخبار غير دقيقة بشأن إفلاس الدولة وبنكها المركزي ونفاد الاحتياطات النقدية، ومخاوف المتعاملين في سوق الصرف من توقف صادرات النفط.
ويخلص الفودعي إلى أن استغلال المضاربين بالعملة والحوثيين وأطراف سياسية أخرى دفع باتجاه رفع سعر صرف الدولار.
وكان بيان صادر منتصف يونيو/ حزيران الماضي، عن بريطانيا وأميركا وفرنسا، قد انتقد بشدة الحوثيين لتسببهم في مفاقمة الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تم وصفها بالرهيبة في اليمن، من خلال الاستمرار في منع صادرات النفط، والقيام بالمزيد من التصعيد الاقتصادي، بما في ذلك منع ناقلات غاز الطهو في مأرب من دخول المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ودفعت الأحداث المتصاعدة نهاية العام الماضي مع استهداف موانئ تصدير النفط بمحافظة حضرموت، الحكومة اليمنية إلى إجراء تغييرات واسعة في الخطط والسياسات الاقتصادية للعام الحالي، في ظل عدم القدرة على إعداد الموازنة العامة الجديدة للدولة لعام 2023 حتى الآن.
وتشكل عائدات الموارد النفطية نحو 75% من الموازنة العامة للدولة في اليمن يصرف منها مرتبات للموظفين، وتسدد منها اعتمادات الواردات من السلع الغذائية.
في السياق، يربط الخبير المصرفي نشوان سلام، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين ما يجري في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن التي تتصدر واجهة الأحداث خلال الفترة الماضية في البلاد، وبين انهيار سعر الصرف، مشيراً إلى تأزم الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، ما يهدد الشراكة الحالية لحكومة الوفاق المشكلة مناصفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويعتقد سلام أن الوضع في حضرموت قد يكون أثر على عملية تخصيص واستيعاب المنح المالية المعلن عنها في إبريل/ نيسان الماضي 2022، من قبل السعودية والإمارات وتأخير إتاحتها.
ويحذر خبراء اقتصاد من تعثر برنامج الإصلاحات النقدية والاقتصادية وتعويم العملة في اليمن، والذي قد يؤدي إلى اضطراب السوق النقدية بصورة تفوق قدرات وإمكانيات احتوائها والسيطرة عليها.
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي جمال حسن العديني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حل الأزمة النقدية والمصرفية الراهنة مرهون بالمشاورات المتأرجحة وغير المعلنة بين السعودية والحوثيين برعاية سلطنة عمان، والتي كما يبدو تواجه عقبات وتحديات واسعة، إذ تترقب جميع الأطراف المحلية والأممية والجهات التمويلية والمانحة نتائجها بالرغم من الغموض الذي يحيط بها.
(العربي الجديد)