اجتمع العالم كله على الارتباط بالشوكولاتة كواحدة من مسببات السعادة، فهي حاضرة دائماً في المناسبات السعيدة كافة، فتلك القطع الصغيرة المرصوصة بعناية فائقة في متاجر الحلوى أو ذلك الركن المبهج الذي يضم قوالبها على مختلف الأشكال في المحال دائماً ما كان مصدراً للبهجة للكبار والصغار على السواء.
ولإجماع الناس في العالم كله على عشق الشوكولاتة بأنواعها وأشكالها المختلفة والمتنوعة، يحتفل في السابع من يوليو (تموز) بـ"اليوم العالمي للشوكولاتة" التي أصبحت حالياً، ليس مجرد حلوى، لكن أثبتت الدراسات أنها واحدة من أسباب تحسين الحالة المزاجية ومقاومة الاكتئاب بتحفيزها إفراز هرمون السعادة في الجسم.
تاريخ الشوكولاتة
للشوكولاتة تاريخ طويل يمتد إلى عصور قديمة، حيث تطورت مع الزمن حتى اتخذت صورتها الحالية المعروفة في العالم كله.
تقول الشيف (الطباخة) وصانعة الشوكولاتة ميرفت دسوقي الحاصلة على ماستر شوكولاتيير (شهادة) من الجمعية الملكية البلجيكية لصناعة الشوكولاتة "تاريخ الشوكولاتة بدأ منذ قديم الأزل مع زراعة حبوب الكاكاو في الفترة من عام 400 إلى 1500 قبل الميلاد، وتم اكتشافها من قبل شعوب المايا والآزتيك في أميركا الوسطى حالياً.
وتضيف دسوقي "تروي أسطورة في ثقافة الآزتيك أن أحد معبوداتهم كان يتشارك الشوكولاتة مع البشر، وكانت حبة الكاكاو مقدسة ومحاطة بالتعظيم، واستخدمت في الطقوس الدينية وكانت لها قيمة كبيرة، كما كانت حبوب الكاكاو تستخدم كعملة لتبادل التجارة، وكانت الشوكولاتة متاحة فقط للطبقة النبيلة، فهم فقط من كانوا يستطيعون تذوق مشروب الشوكولاتة، الذي كان مشهوراً بأنه يمنح القوة والطاقة الخارقة".
وتشير إلى أنه "بعد احتلال الإسبان أميركا الوسطى في القرن الـ16، تم نقل مشروب الكاكاو إلى إسبانيا ومن ثم إلى إنجلترا، لينتشر بين نبلاء أوروبا، وفي القرن الـ18 قام المخترع الفرنسي كونراد فان هوتين بتطوير آلة بخارية لطحن حبوب الكاكاو مما سهل عملية تصنيع الشوكولاتة وانخفاض أسعارها، فأصبحت متاحة للجميع، وعام 1765 ظهرت حبوب الكاكاو لأول مرة في الولايات المتحدة، وتم تطوير صناعتها من قبل شركة جيمس بيكر لتتوالى التطورات في صناعتها، وقام الإنجليزي جوزيف فري في الفترة بين عامي 1850 و1860 بتجربة مزج زبدة الكاكاو مع بودرة الكاكاو والسكر مما أدى إلى تأسيس شركة كادبوري وإطلاق أول قالب شوكولاتة في عيد الحب ".
في العالم العربي
ظهرت الشوكولاتة في مصر على يد يوناني مقيم بالإسكندرية يدعى تومي خريستو، الذي أسس مصنعاً للشوكولاتة يحمل اسم "رويال"، وفي عام 1919 أنشأ مصنعاً آخر تحت اسم "كورونا للشوكولاتة" لا تزال منتجاته موجودة بهذا الاسم حتى اليوم.
وبدأت الشوكولاتة الظهور في لبنان بنهاية القرن الـ19، مع افتتاح محمود غندور متجرا لبيع الشوكولاتة المستوردة، ومن ثم افتتاح مصنع للحلوى والشوكولاتة انتشرت عام 1919 منتجاته في العالم العربي كله ليصل لذروة انتشاره خلال حقبة الخمسينيات والستينيات.
وفي سوريا تم افتتاح مصنع "غراوي" للشوكولاتة عام 1931، الذي كان بداية لإنتاجها في سوريا ولا يزال قائماً حتى اليوم.
الشوكولاتة حالياً تعتبر صناعة عالمية تشتهر بها بعض الدول وتمثل جزءاً من اقتصادها باعتبارها من المشتريات الأساسية لزوار هذه الدول إضافة للتصدير على نطاق واسع ويأتي على رأسها بلجيكا وفرنسا وسويسرا.
وتقول الشيف دسوقي "بلجيكا هي عاصمة الشوكولاتة في العالم، فهي أكبر الدول المصنعة والمصدرة للشوكولاتة، تليها فرنسا، وفي المركز الثالث ألمانيا، وذلك من حيث الإنتاج والاستهلاك، وتعتبر الشوكولاتة الداكنة رفيقة مفضلة لدى الأوروبيين الذين يعشقون تلك النكهة المتجانسة والمرة. في المقابل يميل الشرق إلى تفضيل الشوكولاتة بالحليب والشوكولاتة البيضاء بنكهتهما الفريدة".
وتضيف "لكي نستمتع بطعم الشوكولاتة الحقيقي يجب أن تتم صناعتها بمعايير صارمة وثابتة تم تحديدها من قبل الشركات العالمية، فتحتوي الشوكولاتة الطبيعية على مكونات رئيسة وهي زبدة الكاكاو وحبوب الكاكاو ثم السكر واللبن البودرة، ويتم خلطها بنسب مختلفة وفقاً لنوع الشوكولاتة سواء كانت داكنة أو بالحليب أو بيضاء".
وتوضح "تعتمد صناعة الشوكولاتة بشكل أساس على زبدة الكاكاو، ويجب ألا تحتوي على أي أنواع أخرى من الدهون النباتية، مثل زيت النخيل أو جوز الهند أو الشيا، كما يجب أن تحتوي على نسبة محتوى الكاكاو لا تقل عن 60 في المئة في حال الشوكولاتة الداكنة التي تتميز بكثافتها ومرارتها، و30 في المئة في حال الشوكولاتة بالحليب مع الاهتمام بتنعيم خام الشوكولاتة نفسه للحصول على طعم غني وملمس ناعم".
وتشير خبيرة الشوكولاتة إلى واحدة من المفارقات المثيرة، وهي أنه أثناء الحرب العالمية الثانية تأثر إنتاج الشوكولاتة في إيطاليا بسبب تعذر استيراد حبوب الكاكاو بسبب الحرب، واضطرت إيطاليا إلى البحث عن بديل، واكتشفت أنها تمتلك كمية قليلة من حبوب الكاكاو لا تكفي لتلبية حاجات السوق الإيطالية، فجاءت فكرة دمج حبوب البندق مع الكاكاو وطحنها معاً، وكانت النتيجة منتجاً جديداً ذا طعم رائع، وهو "كريمة البندق" الشهيرة التي تصنع حتى الآن وتستخدم في الحلويات والشطائر.
الشوكولاتة والحالة النفسية
دائماً ما ارتبطت الشوكولاتة بالإحساس بالسعادة والمساعدة في التغلب على المزاج السيئ والاكتئاب بإفرازها مواد معينة تساعد على تحسين الحالة النفسية، فهل لهذا الكلام أساس علمي بالفعل؟ وهل للشوكولاتة علاقة بتحسن الحالة المزاجية؟ ولماذا يرتبط بها البعض باعتبارها جزءاً رئيساً من يومه لا يستطيع الاستغناء عنه؟
يقول استشاري الصحة النفسية وليد هندي "بالفعل الشوكولاتة ترتبط بإفراز السيروتونين في الدماغ، ولذلك تعطي إحساساً بالسعادة، كما تحتوي على مركب التريبتوفان، وهو مركب طبيعي يعد من مضادات الاكتئاب الطبيعية، وهي تقلل من حدة التوتر ويعتمد عليها بعض الناس في تحسين الحالة المزاجية، وأيضاً تعتبر من الأكلات العاطفية المرتبطة بالمناسبات السعيدة مثل الخطوبة والزواج وأعياد الميلاد، كما ترتبط بمناسبات مثل عيد الحب مما يجعلها من مصادر البهجة والسعادة عند الناس لارتباطها دائماً بالمناسبات السعيدة والاحتفالات".
يضيف هندي "للشوكولاتة فوائد أخرى باعتبار أن لها تأثيراً فسيولوجياً على الجسم، فهي تدخل في بعض مكونات الأدوية وتحتوي على مضادات الأكسدة، وبها مواد أشبه بالقلويات مثل الديبرومين والكافيين، كما تحتوي على الفلافانول الذي يحمي البشرة ويساعد على نضارتها، وأثبتت أبحاث كثيرة أن الشوكولاتة تعمل على تحسين القدرات الذهنية وتزيد من نشاط الذاكرة وعملية الاسترجاع وتقوية الذاكرة البصرية، فالشوكولاتة لها فوائد صحية عديدة ولكن في الوقت ذاته يجب تناولها باعتدال حتى لا تتسبب في مشكلات أخرى مثل السمنة أو الحساسية وأحياناً حب الشباب عند البعض".
ويشير استشاري الصحة النفسية إلى أن بعض الناس يمكن أن يصل به الاعتماد على الشوكولاتة إلى حد الإدمان فيعتاد تناولها في وقت محدد وبكمية معينة يومياً، وإذا لم يحدث هذا يصاب بالصداع والعصبية، والبعض قد لا تفارقه الشوكولاتة في حقيبته أو في مكتبه، ويتناولها بشكل مبالغ فيه كوسيلة لتحسين حالته المزاجية، وهذا بالطبع يمثل حالة مبالغاً فيها لكنه يمثل دليلاً على تأثيرها في تحسين الحالة النفسية.