في الوقت الذي تقاسي مدن ومناطق يمنية من جفاف صيف غير مسبوق وارتفاع قياسي في درجات الحرارة، كعدن وحضرموت وأبين والحديدة، تعاني مدن أخرى من أمطار غزيرة وسيول مدمرة كما هو الحال في تعز والمحويت وحجة.
وفاقمت هذه التقلبات الجوية الحادة الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير، ما زاد معاناة ملايين اليمنيين المتضررين أساساً من جراء أكثر من تسع سنوات من الانهيار الاقتصادي والصراع في البلاد.
ويؤكد الخبير في البحوث الزراعية في وزارة الزراعة والري اليمنية منتصر حزام، لـ"العربي الجديد"، أن هناك تدهوراً ملحوظاً في زراعة الكثير من المحاصيل نتيجة تأثرها إما بالجفاف أو بالفيضانات والإجهاد الحراري وانعكاس ذلك على انخفاض الإنتاجية الزراعية بشكل عام، لذا فإن الأمر يقتضي، وفق حديث حزام، إجراء دراسة وتقييم للجفاف والتغيرات المناخية ووضع استراتيجية تدخلات تستهدف معالجة التبعات والتأثيرات التي تهدد سبل العيش.
ويؤكد تحليل البيانات الجغرافية المكانية الذي أجراه البنك الدولي وتقارير صادرة عن منظمات أممية كمنظمة الأغذية والزراعة، خلال العام الماضي، أن المناطق اليمنية أصبحت أكثر تعرضاً للصدمات المناخية، حيث من المتوقع أن تؤدي فترات الجفاف والفيضانات المتناوبة إلى إضعاف الإنتاجية الزراعية، وتفاقم الانخفاض العام في الاقتصاد الوطني.
الخبير الاقتصادي مطهر عبد الله، يتحدث لـ"العربي الجديد"، أن غالبية السكان في اليمن يعملون في الزراعة وتربية ورعي المواشي، لذا فإن غذاءهم وحياتهم المعيشية أصبحت رهن التغيرات والظروف المناخية، إذ يعتبر اليمن من أكثر الدول شديدة التأثر بالصدمات الخارجية، خصوصاً تغير المناخ، ما يشكل تهديداً إضافياً للإنتاجية والنمو.
ويتكبد المزارعون في المناطق الريفية خسائر كبيرة في الدخل، كونهم يشترون المدخلات بأسعار أعلى بكثير ويبيعون المنتجات بأسعار أقل بكثير، نتيجة اضطرابات النقل، حيث أُجبر الكثيرون على التخلي عن مزارعهم أو الاقتصار على الإنتاج لأغراض المعيشة.
وفق مبادرة التكيف العالمي لجامعة نوتردام 72 لعام 2019، تحتل اليمن المرتبة 22 بين الدول الأكثر ضعفاً والبلد 14 الأقل استعدادًا للتكيف مع تغير المناخ، بينما تسببت الفيضانات المتكررة في إلحاق أضرار جسيمة بالطرق والجسور، ما أدى إلى تقييد شديد لحركة الأشخاص والبضائع في العديد من المحافظات، وصلت إلى تسجيل ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية.
يأتي ذلك مع تحول ملحوظ في القطاع الزراعي من زراعة المحاصيل الغذائية إلى زراعة القات، وهو نبات منبه خفيف، الأمر الذي يشكل سلسلة من التهديدات للأمن الغذائي والتغذية في البلاد، كما ترصد بيانات حديثة مستشعرة عن بعد من قبل البنك الدولي.
وتكشف تلك البيانات أن المساحة المخصصة لزراعة القات زادت بنسبة 40 في المائة، إذ ارتفعت معدلات توسع زراعته بشكل أسرع من أصناف الزراعة الأخرى.
ويعاني اليمن من مشكلة جفاف تتأرجح حدتها بين المتوسطة والشديدة خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز، لتصل إلى ذروتها مع ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة تلاحَظ خلال الفترة الراهنة في عدن ومحافظات يمنية زراعية مهمة مثل الحديدة وحضرموت وأبين.
وتمثل التغيرات المناخية بحسب الأمم المتحدة واحداً من أكبر التحديات التي يواجهها اليمن، حيث تؤدي إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في البلاد، في حين يمثل تغير المناخ ضغطاً متزايداً على قطاع الزراعة، ما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى تأثير التغيرات في درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار على غلال المحاصيل وتوفر الأغذية وارتفاع أسعارها وانخفاض إيرادات سبل العيش الزراعية.
في السياق، يشير الباحث الزراعي يحيي الفتاحي، في هذا الخصوص، لـ"العربي الجديد"، إلى أن أضرار السيول المدمرة لا تقل تأثيراً عن الجفاف من حيث تسببها في توسع مساحة التصحر وتدمير الطرقات وخطوط النقل، لذا فإن الضرورة تقتضي في المقام الأول العمل على تحسين الطرقات لأثارها الإيجابية التي قد تنعكس على الزراعة والأمن الغذائي في اليمن.
وتُعد التأخيرات الناتجة عن إغلاق الطرق أحد الأسباب الرئيسية وراء الانخفاض الهائل في إنتاج ومبيعات وصادرات الأطعمة القابلة للتلف والسلع الزراعية الأخرى، التي كانت إلى جانب المنتجات السمكية تساهم قبل الحرب في اليمن بأكثر من 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي باعتبارها ثاني أكبر صادر لليمن بعد النفط.
(العربي الجديد)