بينما يعاني اليمن من اختلال منظومة تحصيل الموارد المالية المحلية، يستمر الاقتصاد الوطني بالتدهور، مخلفاً تبعات جسيمة تفاقم الأزمة الإنسانية، وتوسع فجوة الغذاء، إضافة إلى تردي الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.
وتبرز أهم هذه التبعات في استنزاف قدرات البلاد على الصمود، بسبب تكريس الانقسام النقدي، وانكماش الاقتصاد الوطني إلى النصف، في ظل تواصل الصراع.
وتكشف الحكومة اليمنية عن تسبّب الهجمات التي شنها الحوثيون على المنشآت والموانئ النفطية بخسائر اقتصادية منذ منتصف العام الماضي 2022، قالت إنها تصل إلى حوالي مليار دولار كانت مخصصة لتحسين الخدمات العامة ودفع المرتبات في أنحاء البلاد كافة.
ويرجع مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم الإشارة إلى هويته، في تصريح لـ"العربي الجديد"، سبب تسارع تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية منذ مطلع العام الحالي إلى توقف تصدير النفط، والإجراءات التي كانت تستهدف إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال.
وأكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن الحكومة اليمنية بحاجة للموارد المتاحة لتحسين تقديم الخدمات، وصرف مرتبات الموظفين، وتنفيذ برامج وخطط الإصلاحات التي من شأنها تمكين مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي ووزارة المالية من العمل بفعالية واتساق، بهدف التعافي الاقتصادي، واستقرار الاقتصاد الوطني.
وتقول الحكومة اليمنية إنها سعت منذ وقت مبكر إلى إعادة بناء الاقتصاد وتطوير قطاع خاص أكثر قدرة على التعامل مع المخاطر والصدمات، بهدف تحسين دخل المواطنين، وخلق فرص العمل، وتحسين الأمن الغذائي والتغذية في اليمن.
الخبير الاقتصادي والمالي أحمد شماخ، يقول لـ"العربي الجديد": "لا حل للأزمات الاقتصادية والحد من تبعاتها إلا بإيجاد حل للانقسام المالي والنقدي في البلاد، أما ما دون ذلك فهو بمثابة ذر للرماد على العيون، إذ إن استمرار هذا الشرخ في الاقتصاد اليمني يعني تواصل للاختلالات والأزمات، وتسرب الموارد واستنزاف قدرات البلاد على جميع المستويات".
ويذكر تقرير حكومي صادر منتصف مايو/ أيار 2023، اطلع عليه "العربي الجديد"، أن المبالغ المحصلة من الموارد العامة المشتركة العام الماضي 2022 بلغت 28 ملياراً و27 مليون ريال، وبزيادة عن الربط التقديري للعام ذاته بمبلغ 5 مليارات و163 مليون ريال، وبنسبة زيادة تقدر بحوالي 23% عن المحصل في الفترة المقابلة من العام المالي 2021، والذي بلغ 8 مليارات و659 مليون ريال، وبنسبة زيادة 54%.
لكن التقرير أشار إلى وجود اختلالات واسعة في مستوى تحصيل الموارد المحلية تتطلب تفعيل منظومة الإجراءات العملية اللازمة لتحصيل الموارد العامة المشتركة، وفقاً للقوانين اليمنية المنظمة لأعمال السلطات المحلية.
الباحث الاقتصادي جمال حسن العديني، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن استمرار وضع لا سلم ولا حرب، يضاعف من إنهاك واستنزاف الاقتصاد اليمني والأزمات المعيشية، والتي أصبحت تفوق قدرات النسبة الغالبة من اليمنيين على تحمّلها، إضافة إلى توسع فجوة الخدمات العامة، ونقص الغذاء، وتدهور واضطراب العملة المحلية.
ويواجه اليمن العديد من التحديات التمويلية التي لا تمكنه من تنفيذ التزاماته الحتمية، مع تراجع الإيرادات العامة نتيجة توقف تصدير النفط، وتأثير ذلك في جهود تحسين الخدمات.
وتفيد مصادر مطلعة في عدن، بأن انخفاض قدرة التوليد في محطات الطاقة الكهربائية وصل إلى أدنى مستوى بسبب نقص الوقود، مع انتهاء الاتفاق التجاري الخاص بتوريد المشتقات النفطية لمحطات الطاقة الكهربائية الحكومية.
ويحذر الباحث المصرفي، فهمي عاكف، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من تكريس الوضع الراهن بدعم خارجي، والذي يلاحظ على المستويين الاقتصادي والنقدي بفرض سياسات الاقتصاد الموازي في كل منطقة يمنية، والتداول النقدي الذي تجسده الأوراق النقدية المختلفة في مناطق نفوذ كل من الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين، واختلاف سعر صرف العملة المحلية، وتكريس النقاط المنتشرة على الطرقات لفرض هذا الوضع المريب، وهو ما يهدد بتفكك البلاد، وفرض واقع جديد يرسم صورة مستقبلية مجهولة وقاتمة لليمن.
وتعتبر عوائد إنتاج وتصدير النفط والغاز أهم مورد سيادي لليمن، لكنها تمثل أهم بؤر الصراع والقتال بين أطراف الحرب في البلاد.
نقلا عن العربي الجديد