كيف تؤثر اضطرابات البحر الأحمر في الاقتصاد الأوروبي؟

23-01-2024 17:07:05
more

شروين المهرة- رويترز

 

أدت الهجمات التي يشنها الحوثيون المتحالفون مع إيران على سفن في البحر الأحمر منذ أسابيع إلى تعطل حركة الشحن في قناة السويس، أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا والذي يمر عبره نحو 15 في المئة من حجم التجارة البحرية العالمية.

 

بالنسبة إلى اقتصاد أوروبا الذي يقف على حافة ركود بسيط ويحاول كبح التضخم المرتفع، فإن تعطل التجارة لفترة طويلة قد يعرقل خطط البنوك المركزية لبدء خفض أسعار الفائدة هذا العام.

 

وفيما يلي بعض العوامل التي يأخذها صناع السياسات في الاعتبار عند تقييمهم لآثار الاضطرابات.

 

ما التأثير في الاقتصاد الأوروبي حتى الآن؟

 

على مستوى الاقتصاد الكلي، التأثير طفيف وبعضه لا يذكر، وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية الأسبوع الماضي إن التأثير الوحيد الملحوظ على الإنتاج حتى الآن تمثل في حالات قليلة من تأخر التسليم.

 

وتتفق تعليقات لرئيس بنك إنجلترا (المركزي) أندرو بيلي مع ما ذكرته ألمانيا، وقال في جلسة استماع في البرلمان إن الأمر "لم يكُن له في الواقع التأثير الذي خشيت حدوثه بقدر ما"، لكن الغموض لا يزال يكتنف الموقف.

 

ولم يظهر حتى الآن أي تأثير للهجمات في المؤشرات الاقتصادية الرئيسة في أوروبا التي تضمنت أرقام التضخم لديسمبر (كانون الأول) الماضي، علماً أن هذا الأخير ارتفع بقدر طفيف.

 

وقد يتغير الوضع مع صدور البيانات الأولية لمؤشر مديري المشتريات غداً الأربعاء، لمعرفة نشاط الاقتصادات الأوروبية في يناير (كانون الثاني) الجاري ونشر التقدير الأول للتضخم في منطقة اليورو للشهر نفسه الذي سيصدر في الأول من فبراير (شباط)، ومن المحتمل أن تطرح رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد هذا الموضوع خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماع لتحديد سعر الفائدة بعد غدٍ الخميس.

 

لماذا لم يصل التأثير إلى الاقتصاد حتى الآن؟

 

ما زال أداء الاقتصاد العالمي أقل من المطلوب، مما يشير إلى كثير من البطء في المنظومة الاقتصادية.

 

وبالنظر إلى أسعار النفط على سبيل المثال، فهي السبيل الأوضح القادر على نقل مشكلات الشرق الأوسط إلى الاقتصادات في أوروبا وخارجها.

 

لكن التأثير لم ينتقل عبرها بعد لأنه كما قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول لـ"رويترز" الأسبوع الماضي، فإن الإمدادات قوية ونمو الطلب يتباطأ، وأضاف أنه "لا أتوقع تغيراً كبيراً في أسعار النفط لأن لدينا كمية كبيرة من النفط في السوق".

 

وذكرت شركة "دويتشه بوست" (دي إتش إل) الألمانية للخدمات اللوجستية أنه لا يزال لديها خيار الشحن الجوي ولكنه ليس ميسراً للجميع لأن الاقتصاد العالمي "لم ينتعش بالفعل بعد".

 

وهذه الصورة الاقتصادية الضعيفة تجعل من الصعب على الشركات تحميل المستهلكين أي كلفة أعلى التي قد تأتي على سبيل المثال من الاضطرار إلى تحويل مسار الشحن والالتفاف حول أفريقيا، إذ  راكمت شركات كثيرة هوامش أرباح في العام الماضي وتتقبل احتمال الاضطرار ببساطة إلى السحب من هذه الهوامش.

 

حتى إن شركة "إيكيا" لبيع الأثاث بالتجزئة قالت إنها ستلتزم ما قررته من خفض للأسعار وإن لديها مخزوناً يستوعب أي صدمات في سلسلة التوريد.

 

وما دام أن هذه هي حال عدد كافٍ من الشركات، فلن يؤدي تعطل حركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر إلى زيادة تضخم أسعار المستهلكين.

 

هل بإمكان صناع السياسات في أوروبا التحايل على التأثيرات الناجمة عن اضطرابات البحر الأحمر؟

 

الإجابة هي لا، وكلما طالت هذه الأزمة زاد تأثيرها في الشركات وفي الاقتصاد.

 

وتخطط شركة "تيسلا" الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية لتعليق جزء كبير من الإنتاج في مصنعها بألمانيا في الفترة من الـ29 من يناير الجاري إلى الـ11 من فبراير المقبل بسبب نقص المكونات، كما أوقفت "فولفو" السويدية الإنتاج في مصنعها ببلجيكا لمدة ثلاثة أيام الشهر الماضي.

 

ومن المرجح أن تترك أزمة البحر الأحمر تأثيراً أكبر في أنشطة الاستيراد مقارنة بتأثيرها في التصدير، إذ إن ما يقارب ربع البضائع الواردة إلى أوروبا تسافر عبر طريق البحر من آسيا، بينما يمر عبر الممر البحري نحو 10 في المئة فقط من صادرات القارة.

 

وقدرت "أكسفورد إيكونوميكس في مذكرة بتاريخ الرابع من يناير استندت إلى توقعات صندوق النقد الدولي لكلفة التأثير في حركة الشحن، أن ارتفاع كلفة الشحن بالحاويات ستزيد التضخم بمعدل 0.6 في المئة خلال عام، ورجح البنك المركزي الأوروبي أن ينخفض التضخم في منطقة اليورو من 5.4 في المئة في 2023 إلى 2.7 في المئة هذا العام.

 

وقالت "أكسفورد إيكونوميكس"، "على رغم أن الاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر لن توقف تباطؤ التضخم، فإنها ستؤثر في وتيرة عودته للمعدلات الطبيعية".

 

ولا تتوقع المذكرة أن تؤثر الاضطرابات في التوجه نحو خفض أسعار الفائدة.

 

وعلى المدى الطويل، قد تشجع الاضطرابات الحالية الشركات على تطوير الخطط التي وضعت لإيجاد طرق إمداد بديلة وأكثر قابلية للتوقع بعد أن تسببت جائحة كورونا في تعطيل حركة التجارة.

 

وتشمل المقترحات الاعتماد على طرق تجارية أطول ولكن أكثر أماناً، إضافة إلى نقل العمليات لمناطق أقرب من الأسواق الرئيسة للمنتجات أو إعادتها بالكامل إلى الأسواق الرئيسة.

 

وأيّاً كانت الخيارات التي سيجري بحثها، فمن المرجح أن تشترك جميعها في أمر واحد وهو الكلف الأعلى.