تونسيات يتضامن مع غزة بتطريز خرائط فلسطين

25-12-2023 13:52:48
more

كأنهن يرسمن حكاية وطن، اجتمعت نساء تونسيات في قلب المدينة العتيقة بتونس العاصمة للمشاركة في تطريز خرائط لفلسطين تضامنا مع غزة الجريحة ودعما للسلام.

وتهدف هذه المبادرة، التي تحمل عنوان "لنطرز معا خريطة فلسطين نصرة لأهلنا في غزة"، إلى التعريف بالمدن الفلسطينية الأصلية التي غيرتها إسرائيل بعد أن طردت سكانها منها.

وهي أيضا "رسالة سلام وتنديد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي لا يزال مستمرا إلى اليوم، حاصدا معه آلاف الأرواح البشرية من نساء وأطفال وشيوخ عزل".

"اعرف فلسطين"

تقول الحرفية التونسية، خولة العبدلي، وهي صاحبة الفكرة لـ"سبوتنيك"، إنها "تسعى من خلال هذه المبادرة إلى إنعاش ذاكرة التونسيين وشعوب العالم وتذكيرهم بأن فلسطين دولة متجذرة في التاريخ قبل أن يحاول الاحتلال الإسرائيلي طمس هويتها من خلال عمليات الاستيطان".

وأضافت بنبرة تعتصرها الألم: "كنت أتابع ما يحدث في غزة من دمار وتقتيل وهدم للعمران وأستمع إلى تساؤلات المحيطين بي حول فلسطين وموقعها الجغرافي والبلدان المجاورة لها.. لقد كانت معلوماتهم ضبابية وغير دقيقة".

ومن هنا، التقطت خولة فكرة رسم خرائط لفلسطين باستخدام تقنية التطريز التي توارثتها النساء التونسيات عبر الأجيال، وعرفت بها أيضا الفلسطينيات اللاتي استطعن تخليدها بعد أن أدرجت أثوابهن المطرزة ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو.

تقول خولة وهي تشير إلى الخرائط المطرزة، "من الصعب العثور على هذه الخرائط على الإنترنت أو على موقع غوغل، لأنها تحاكي الخريطة الأصلية لفلسطين بأسماء مدنها الحقيقية التي أطلقها عليها الفلسطينيون قبل عقود من الزمن".

وأكدت خولة أن العديد من النساء الحرفيات وغير الحرفيات والأطفال استجابوا لدعوتها وقدموا للمشاركة في حياكة هذا العمل الرمزي التضامني، وتابعت "بهذه الخرائط المطرزة نحن نقول: هذه هي فلسطين وهي باقية ما بقي الزعتر والزيتون".

سلاحهن الخيط والإبرة

تحوّل الخيط والإبرة إلى سلاح تستخدمه هؤلاء النساء لإسناد القضية الفلسطينية والتعريف بها لدى شعوب العالم، بما توفر لهن من إمكانيات وبما خبرن من مهارة يدوية.

وتأهبت أنامل المهندسة المعمارية "سلوى الميلي" لحكاية خريطة لفلسطين باستخدام الزهور التي تعبر بها عن الأمل وتبعث من خلالها رسالة صمود لأهالي غزة الذين يعانون من ويلات الحرب الإسرائيلية منذ أكثر من شهريْن.

تقول الميلي لـ"سبوتنيك": "اخترت أن أطرز خريطة فلسطين بالورود، وأن أبرز المدن الفلسطينية الكبرى التي لها تاريخ وجمال لم أكن أعرفهما قبل أحداث 7 أكتوبر".

وتضيف الميلي أنها بهذا العمل "تستطيع أن تفرغ القليل من مشاعر الغضب والألم التي تعتريها منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ضمن خريطة جغرافية فنية".

وتشير إلى أن الصورة الوحيدة التي كانت تحتفظ بها في مخيلتها حول فلسطين هي صورة التهجير والتشريد ومخيمات اللاجئين، وأنها بهذا العمل تحاول أن ترسم مستقبل سلام للفلسطينيين.

بدورها، تشارك مريم التريكي، وهي فنانة تشكيلية وخزافة في هذه المبادرة التي تقول إنها أقل ما يمكن تقديمه لأهالي غزة، مشيرة إلى أن الفن يجب أن يكون دائما في خدمة الإنسانية.

وتضيف: "بهذا العمل الفني نحن نحافظ على الموروث اليدوي التونسي ونبعث رسالة تضامن إلى أهالينا في غزة بأبسط الإمكانيات وهي الإبرة والخيط والعقيق".

وتحرص مريم على أن تكون هذه الخرائط تثقيفية ورمزية في الآن ذاته، حيث تطرز أناملها رسوما للكوفية الفلسطينية (لباس للرأس) وقبضة اليد التي ترمز للصمود والانتصار.

وتطمح التريكي ضمن جمعية "آدم" التي تنشط داخلها إلى تعميم هذه المبادرة في جميع أنحاء الجمهورية التونسية وعرض هذه الخرائط للبيع في مزاد علني ستذهب أرباحه لمساعدة الغزيين والفلسطينيين المقيمين في تونس.

أنامل الأطفال تدعم غزة

وإلى جانب هذه الأنامل النسائية، تشارك أنامل الأطفال في حياكة خرائط فلسطين باللون الأخضر الذي يحيل إلى الزيتون، رمز الصمود والبقاء.

وتقول لطيفة الشابي التي تشرف على ورشة تدريب الأطفال "نحن بهذا النشاط نعرف أطفالنا بفلسطين الجريحة وبمدنها العريقة وبشعبها المسالم وبقصة أرضه التي افتكت منه قبل أكثر من 70 عاما".

وتشير لطيفة في حديثها لـ "سبوتنيك"، إلى أن هذه الورشة تفتح المجال للأطفال للتعرف على قضية فلسطين وتعلم صنعة الأجداد في الآن ذاته.

وأضافت لطيفة: "حينما كنا صغارا حرص آباؤنا على غرس القضية الفلسطينية في قلوبنا، فكنا نشارك في المسيرات التضامنية وفي حملات المساعدة الإنسانية، واليوم نحن نحمل عنهم المشعل".

وتخبر ريم معاوية التي فتحت الفضاء الثقافي "قصر السرو" لاحتضان هذه التظاهرة "سبوتنيك"، أن الجيل الجديد يعرف المدن الفلسطينية بأسمائها الإسرائيلية، ويجهل الأسماء الأصلية.

وأشارت إلى أن الغاية الأساسية من هذه التظاهرة هي إحياء القضية الفلسطينية في ذاكرة الأجيال القديمة، مضيفة "في هذه الخرائط يترك الجميع بصمته سواء كان طفلا أو مهندسة أو معلمة أو أستاذة جامعية أو حرفية، لأننا إزاء القضية الأم".