في الوقت الذي تشتد فيه الأزمات المصرفية والنقدية، يتجه اليمن لدعوة كبريات شركات التدقيق العالمية لمراجعة أعمال البنك المركزي اليمني وقوائمه المالية للفترة من 2021-2023. وتعد عملية التدقيق من أهم التحديات التي تواجه المؤسسات النقدية المنقسمة في اليمن بسبب عدم خضوع الحسابات والقوائم المالية للبنك المركزي اليمني للرقابة، منذ قيام الحكومة بنقل إدارة عملياته إلى عدن التي اتخذت منها عاصمة مؤقتة في سبتمبر/ أيلول من العام 2016.
وعلمت "العربي الجديد" أن هذه المشكلة فرضت صعوبات وتعقيدات بالغة في علاقة المؤسسات النقدية والمصرفية اليمنية بالمؤسسات والصناديق المالية الدولية، ما أدى إلى انخفاض مستوى التعاون مع هذه المؤسسات بدل الاستفادة من تمويلاتها وبرامجها المؤسسية والنقدية.
وذكر مصدر مصرفي مسؤول، فضل عدم الإشارة إلى هويته، لـ"العربي الجديد"، أن الإقدام على هذه الخطوة يأتي بعد إقرار البنك المركزي اليمني في عدن الشروط المرجعية وإنجاز القوائم المالية للبنك للفترة الماضية الممتدة من 2016 إلى 2020، لافتاً إلى أن المركزي اليمني واجه العديد من التحديات والصعوبات التي تطلبت جهداً كبيراً لتجاوزها وإعادة ترتيب وضعه وإدارة عملياته المؤسسية والنقدية.
الخبير الاقتصادي مطهر عبد الله يشرح لـ"العربي الجديد" ماذا تعني هذه البيانات، والقرار المتخذ لمراجعة حسابات البنك المركزي اليمني، بالقول إنها أهم خطوة انتظرها الجميع منذ نقل إدارة عمليات البنك إلى عدن قبل نحو ثماني سنوات، فالبنك المركزي منذ نقله لم يشارك المؤسسات المالية والنقدية الدولية أي معلومات أو بيانات مثل سعر الصرف والحسابات المالية. حيث يفترض، وفقاً للقوانين المنظمة للعمل المصرفي، أن تنشر المؤسسة النقدية السيادية الأولى في البلد الممثلة بالبنك المركزي قوائمها المالية على موقعها الإلكتروني بصورة دورية.
ويوضح أن مثل هذه الإجراءات تفرضها متطلبات العلاقة بين المؤسسات النقدية المحلية والمؤسسات الدولية لاعتبارات عديدة، منها ما يتعلق بالجهود لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
بدوره، يشير الباحث في معهد الدراسات المصرفية محفوظ سعيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى اعتبارات أخرى تتعلق بتعزيز العلاقة مع مجتمع المانحين لتسهيل حصول اليمن على المساعدات والتمويلات الدولية والإجراءات والمعاملات المصرفية وتعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني اليمني، الذي يمر بمرحلة حرجة بسبب الوضع الراهن الذي أنتجته الحرب والصراع في البلاد.
واستبق المركزي اليمني هذه الخطوة بإطلاق برنامج لتأهيل المحاسبين القانونيين المتخصصين بتدقيق ومراجعة حسابات شركات ومنشآت الصرافة. وفي خطوة أخرى وصفها مراقبون ومصرفيون بالمهمة والنوعية، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن عن إصدار اللائحة المالية التنظيمية لحماية المستهلك المالي.
وتهدف هذه اللائحة، التي جرى تطويرها بدعم فني مقدم من الوكالة الأميركية للتنمية ووزارة الخارجية والتنمية البريطانية، لإيجاد إطار حماية فعال وتعزيز الشمول والثقافة والوعي المالي في البلاد، من خلال تطبيق متطلبات المبادئ رفيعة المستوى لمجموعة العشرين، بشأن حماية المستهلكين الماليين.
ويؤكد الباحث المصرفي والاقتصادي وحيد الفودعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أهمية مثل هذه الخطوة لزيادة الشفافية وتعزيز الممارسات العادلة والمنصفة في مجال الخدمات المالية. ومنحت المؤسسة النقدية الحكومية البنوك والمؤسسات المالية غير البنكية الأخرى مدة عام واحد كحد أقصى لتوفيق أوضاعها وفق متطلبات التعليمات الصادرة.
ويرى الفودعي أن الوضع الراهن يتطلب قرارات وإجراءات تعزز الثقة بالمؤسسات المالية والنقدية اليمنية في ظل ما يحيط بها من تجاذبات سياسية وضغوط داخلية وخارجية، وذلك للمساهمة في استقرار العملة المحلية واحتواء السوق النقدية والمصرفية ووضع حد للمضاربة وتبديد مخاوف المتعاملين في سوق الصرف بعد توقف صادرات النفط بسبب استهداف الحوثيين موانئ التصدير.
وكان مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في عدن، التي تشهد تجاذبات سياسية بين الأطراف الحكومية وأزمات معيشية وخدمية، قد أقر في اجتماعه الدوري الثامن العديد من الإجراءات للتعامل مع التطورات الاقتصادية في أهم جوانبها المالية والنقدية، وموقف السيولة والاحتياطيات الخارجية وتطورات تنفيذ الموازنة العامة للدولة.
في السياق، قررت وزارة المالية اليمنية في عدن صرف رواتب موظفي السلطة المركزية والمحلية عبر البنوك المؤهلة ابتداءً من شهر أغسطس/ آب 2023. وقالت إن ذلك يندرج ضمن توجهات مجلس القيادة الرئاسي، وجهود الحكومة، والتفاهمات مع المانحين، من أجل تنفيذ إصلاحات شاملة في الجوانب المالية والاقتصادية والإدارية، ومحاربة الفساد.
وتؤكد الحكومة اليمنية أنها ستمضي قدماً عبر مؤسساتها المالية والنقدية في مواجهة الفساد المالي والإداري وتجفيف منابعه في مؤسسات الدولة، وتصحيح الاختلالات في ملف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين، من خلال تطبيق قرار صرف رواتب موظفي السلطة المركزية والمحلية عبر البنوك المؤهلة.
(العربي الجديد)