انهيار الوضع المعيشي في اليمن وصل إلى مستويات قياسية

10-06-2023 07:07:12
more

انحسرت المعارك العسكرية على الجبهات اليمنية منذ أكثر من عام، إلا أن الصراع الاقتصادي استمر بالتزامن مع توسع فجوة الغذاء وتقلص سبل العيش إلى مستويات تفوق قدرات المواطنين لمواجهتها.

وفي الوقت الذي يحتاج فيه اليمن إلى خطط ومساعدات عاجلة للحد من تأثيرات تدهور شبكات الضمان الاجتماعي، وللتمويل الذي يضمن هامشاً مناسباً من استدامة الأعمال المدرة للدخل، تؤكد الأمم المتحدة في تقريرها الأخير أن المناطق المحرومة في البلاد تشهد توسعاً مضطرداً منذ العام الماضي، حيث تفتقر للخدمات والغذاء والفرص والمساعدات الإغاثية المناسبة.

ويعتبر اليمن مجتمعاً ريفياً، بالنظر إلى أن 73 في المائة من اليمنيين يعيشون في الأرياف ويعتمدون على الزراعة كمصدر دخل رئيسي لهم، إلى جانب بعض الموارد الأخرى كالأسماك، بحسب وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية.

وتعاني البلاد من انخفاض مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي إلى حوالي 12 في المائة وفقاً لبيانات وزارة الزراعة والري اليمنية، وتقلص حجم العاملين في الزراعة إلى 25 في المائة من إجمالي القوة العاملة، إضافة إلى اهتزاز وتراجع بنسبة مماثلة للقطاع والموارد السمكية.

خطط الإنعاش الاقتصادي

يشدد الخبير الاقتصادي محمد الحميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على حاجة اليمن في الظروف الراهنة إلى تصميم خطط إنعاش عاجلة للقطاعات المنتجة للغذاء والمشغلة للأيدي العاملة كالقطاع الزراعي بدرجة رئيسية، إضافة إلى قطاعات أخرى كالمعادن واكتشاف منافذ التطوير والتوسيع في بعض القطاعات الأخرى، مثل الأشغال العامة التي تتيح فرصاً كثيفة العمالة، وذلك بالرغم من عدم الوضوح على المستوى السياسي وكذلك الاقتصادي.

لكن إنعاش بعض القطاعات الاقتصادية الإنتاجية المشار إليها كالقطاع الزراعي يحتاج إلى استثمارات مالية كبيرة في البنية التحتية الزراعية وفي العملية الإنتاجية، وفقاً للحميري، فيما يعاني القطاع من تدنّي استثمارات القطاع الخاص، وتشتت وصغر حجم الحيازات الزراعية، والتي تبلغ بالمتوسط 0.9 هكتار فقط للحائز الواحد.

ويقترح الحميري الاستفادة من الخطط والبرامج السابقة قبل الحرب التي وُضعت في إطار استراتيجية التعاون بين الحكومة اليمنية والمانحين، وتسخير الجزء الأكبر من التمويل والدعم الدولي بالرغم من تقلصه لتنفيذ هذه الخطط بعد خضوعها للتطوير والتحديث.

في السياق، أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير صادر 10 مايو/ أيار الماضي إلى استمرار تأثير التغيرات والظروف المناخية على اليمنيين والإضرار بسبل العيش المتاحة في البلاد منذ مطلع عام 2023، إذ إن هناك 12 محافظة يمنية متضررة بسبب هذه الظروف القاسية التي أثرت على أكثر من 2000 أسرة يتجاوز عددها 14 فرداً، في 62 مديرية كثير من سكانها يقيمون في مناطق يصعب الوصول إليها.

برنامج الغذاء العالمي أكد من جانبه خطورة الوضع في اليمن، مع تفاقم الأزمات الغذائية والمعيشية وضعف مستويات التمويل الكافية وعدم توفر دخل وسبل عيش منتظمة، إذ أعلن في أبريل/ نيسان 2023 عن حاجته إلى 2.9 مليار دولار خلال العام الحالي لتقديم المساعدة الغذائية من خلال التوزيع النقدي والمباشر لنحو 15 مليون نسمة ودعم 1.9 مليون شخص في اليمن من خلال التغذية المدرسية وإعادة تأهيل الطرق الريفية، وخطط تجميع المياه، والمشاريع الزراعية.

ارتفاع التكاليف

ويتطرق الباحث الاقتصادي مختار السعيدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى ارتفاع تكاليف وأسعار الخدمات الاجتماعية الأساسية، وعدم قدرة ذوي الدخل المحدود والفقراء الذين يشكلون السواد الأكبر من السكان على الوصول إلى تلك الخدمات، خاصة في ظل تزامن تآكل فرص الدخل مع تصاعد مستويات التضخم وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية والنقدية والمناخية.

ويتخذ التدهور الاقتصادي والمعيشي وتلاشي فرص الدخل وعدم انتظامها مسارات عدة في البلاد، وفق السعيدي، حيث لا تتوقف عند حدود القطاعات الغذائية والإنتاجية والمشغلة للأيدي العاملة، في ظل ارتباط القطاع المالي والمصرفي وانخفاض دوره الملحوظ خلال الفترة الماضية في تسهيل منح القروض، والقيام بدور إيجابي في استدامة الأعمال والأنشطة المدرة للدخل وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

الباحث المصرفي فهمي ناصر، يقول لـ"العربي الجديد"، إن بيئة العمل الراهنة الناتجة بفعل الحرب والصراع في اليمن لا تسمح بإعادة بناء شبكات التمويل بمستويات مناسبة لدعم الأنشطة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وضمان استدامتها، إضافة إلى تأثير الأزمة الاقتصادية والمصرفية والانقسام المالي والنقدي على دور البنوك والمصارف في تمويل الأنشطة والمشروعات الاقتصادية التي تساهم في الاستدامة على مستوى التشغيل والتنمية.

دعم الأعمال والتوظيف

وحسب خبراء اقتصاد ومنظمات أممية ودولية، فإن توفير الوظائف ودعم رواد الأعمال الشباب أكثر الطرق فعالية لتمكين الأسر والمجتمعات في اليمن من إدارة الصدمات المستمرة والمساهمة في تعزيز التنمية المستدامة، في ظل تمدد الأزمات المعيشية وتلاشي فرص العمل وتوسع رقعة الفقر والبطالة.

ويوضح عدنان أحمد، وهو مسؤول في مؤسسة يمنية لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يمتلك قطاعاً ناشئاً للتمويل الأصغر، لكنه لا يحوز على مساهمة نمو مناسبة في أصول بنوك ومصارف التمويل الأصغر تمكنه من القيام بدور أكبر في تحسين فرص تمويل الأنشطة الصغيرة والأصغر والاستدامة التنموية والحدّ من البطالة والتخفيف من الفقر.

يلفت أحمد إلى دور مؤسسات خارجية خلال الفترة الماضية واعتزامها توسيع أعمالها التنموية والتمويلية في اليمن، مثل مؤسسة "صلتك" القطرية، واصفاً دور القطاع المصرفي اليمني بالمتواضع في تمويل الأنشطة الاقتصادية بالرغم من محدودية انتشار فروع البنوك في اليمن واقتصارها على المناطق الحضرية، بينما يعيش أكثر من 70 في المائة من السكان في المناطق الريفية، مما يعيق وصول شريحة كبيرة من السكان إلى الخدمات المصرفية.

وبرزت مبادرات لافتة مؤخراً في هذا الخصوص، أهمها الاتفاقية التي وقعتها مؤسسة "صلتك" والاتحاد الأوروبي بقيمة 10 ملايين يورو لتوسيع مشروع "دعم ريادة الشباب والشمول المالي" وتعزيز التمكين الاقتصادي للشباب في اليمن.

ويهدف المشروع على مدار أربع سنوات إلى توفير فرص عمل ومصادر دخل وإدماج مالي لأكثر من 40 ألف شاب وشابة في مختلف المحافظات اليمنية، وذلك من خلال تمويل مشاريع الشباب، وتقديم خدمات بناء القدرات لرواد الأعمال الشباب لتوفير مصدر دخل لهم ولعائلاتهم.

 

(العربي الجديد)