شروين المهرة- خاص
تتمسك محافظة “المهرة” اليمنية بثقافة تربية “الإبل” العريقة المرتبطة بتاريخها وحضارتها القديمة ولم تؤثر عليها وسائل النقل الحديثة في وقتنا الحاضر.
ومنذُ القدم يهتم العرب وخاصة سكان الصحراء بتربية الإبل التي كانت أفضل وسيلة للنقل في الصحراء وللاستفادة من منتجاتها كاللحوم والوبر واللبن، وتنافسوا في امتلاك السلالات الأصيلة والجيدة، ومن أشهر تلك السلالات الإبل المهرية وجمعها مَهارِيُّ ومَهارٍ ومَهارَى, وتُعد من خير مزايين الإبل.
ومازالت قبائل المهرة تهتم برعي وتربية الإبل، إذ بلغ تعداد الإبل بمحافظة المهرة حسب إحصائيات عام 2007م نحو (129118) رأساً, ويعتمد البدو الرحّل القاطنين في الصحراء الشمالية والأودية في تغذيتها على رعي النباتات والأعشاب الصحراوية والأشجار الشوكية, أما سكان السهل الساحلي الجنوبي فيقدمون لها الأعلاف الزراعية بالإضافة إلى سمك السردين المجفف الذي يعد من أفضل الأغذية التي تقدم لها.
ويقام في المهرة مهرجان سنوي لسباق الهجن في منطقة (الفيدمي) المعروفة بشواطئها الرملية النظيفة والناعمة والتي تضم ساحة فسيحة مخصصة لهذا السباق.
وحول قوة الإبل المهرية وصفاتها تزعم العرب أن فحولاً من الإبل المتوحشة أَوالحوشية إِبل الجنّ ضربت في إبل لمهرة بن حيْدان فنُتجَت النجائب المَهْريَّة التي لا يكادُ يُدركها التَّعب وهي تسبق الخيل وزاد بعضهم في صفاتها فقال لا يعدل بها شيء في سرعة جريانها وعدوها من كرام الإبل، ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه ولها أسماء إذا دعيت أجابت سريعاً.
قصة من الواقع
يقول الدكتور أمين عبد الله اليزيدي في كتابه "خواطر وأشجان"، تشتهر المهرة بالإبل حتى إن هذه الشهرة لم تغفلها كتب التاريخ كما لم يغفلها الشعر العربي القديم، وحين كنت أدرس أتحفني الأخ عيسى مسلم رعفيت وهو من أبناء حوف الجبل خريج قسم اللغة العربية، بهذه الحكاية عن الإبل المهرية، وعن نوع منها اسمه الإبل الصفراء أو الصفرية، والحكاية كما يقول حقيقية، وهذا ملخصها كما أوردها:
كان محمد وخاله سالم يسكنان في واد كبير، ولم يكن في هذا الوادي سواهما، وكان لديهما ركاب أو نوق، علما بأن محمدًا ولد صغير لم يتجاوز عمره ست سنوات.
وفي يوم من الأيام مرض سالم مرضًا شديدًا، وكان له ناقة لا يستطيع أحد أن يحلبها إلا هو، فهي ترفض أي حالب يقترب منها. قال محمد أتريد أن أذهب لأدعو الناس المعالجة؟ قال سالم : إذا كنت أقدر على أن أحلب ناقتي فلا تذهب إلى أي مكان.
وبعدها اشتد مرض سالم ولم يستطع أن يصل إلى الناقة، فذهب محمد في الصباح الباكر، وكانت المسافة مسيرة يوم مشيا على الأقدام، فلما وصل إلى مكان تجمع الناس أخبرهم بمرض خاله، وكان الوقت قبل غروب الشمس، وعند العودة إلى الوادي لم يستطع محمد السير لأنه كان قد أنهك، فحمله شخص على ظهره وانطلقت مجموعة يسيرة - من الناس حتى وصلوا إلى مكان الوادي، ولما وصلوا وجدوا سالما قد توفي، وناقته واقفة عند رأسه، واضعة يديها إلى جنبه وكأنها تحميه من السباع، فحاولوا أن يبعدوها عن سالم، لكن الناقة رفضت إلى أن كلموها وقالوا لها : ابعدي إن سالم قد توفي. فأسبلت عينيها بالدموع، وابتعدت عن المكان، وحاولوا أن يحلبوها فلم تتحرك إلى أن أتموا حلبها وشربوا اللبن جميعا، وبعد دفن سالم ذهبت الناقة واختفت ولم ترها عين لمدة عام كامل. وقد تغنى بالناقة كثير من الشعراء في الشعر العربي، ولعل من أكثرهم الشاعر الشاب طرفة بن العبد وغيره.
وحظيت الإبل المهرية باهتمام الشعراء الذين عبروا عن صفاتها خلال قصائدهم واشتقوا منها الصور البلاغية الجميلة، ونورد هنا بعضاً مما قيل في الإبل المهرية:
قال المتنبي:
ويلمّها خطة ويلمّ قابلها
لمثلها خُلق المهرية القود
والمعنى ما أعجبها حالاً، وما أعجب من يقبّلها، وإنما خلقت الإبل للفرار منها.
ويصور البعيثُ الحنفيُّ مسيره في شدة الحر على ناقة مهرية بقوله :
وَهاجِرَةٍ يَشْوِي مَهاها سَمُومُها
طبَخْتُ بها عَيْرانةً وَاشْتَوَيتُها
مُفَرَّجةً مَنْفوجَةً حضْرَمِيَّةً
مُساندَةً سِرَّ المَهارَى انتَقَيْتُها
فَطِرْتُ بها شَجْعاءَ قَرْواءَ جُرْشُعاً
إذا عدَّ مَجْدُ الْعِيس قُدِّمّ بَيتُها
وجاء في كتاب خريدة القصر وجريدة العصر: (يقول الشاعر وهو يمدح الجمل المهري , ويطلب من راكبه أن يبلغ رسالته إلى أحد أحبابه من الملوك :
يا راكب المَهْرِيِّ أَضحى ظلُّه. في عُرْضةِ البَيْداء من مَسبوقه
بلِّغ إلى الـمـَلـِكِ الهمامِ أَمانةً . تـبـلـيـغُـهـا لـلـحـرِّ مـن توفيقه