شهادات مروعة من غزة.. إسرائيل أكملت تدمير المنازل قبل بدء الهدنة

26-11-2023 11:25:41
more

وقفت أم سامح الرن (56 عاماً) أمام منزلها المدمر في بلدة بيت لاهيا شماليّ قطاع غزة، تطلب مساعدتها في انتشال بعض الملابس والفرش من تحت أنقاض المنزل ذي الطابقين.

وتحاول أم سامح أخذ بعض الملابس وتبحث عن الملابس الشتوية خصوصاً، والفرش والأغطية، لتعود بها إلى مدرسة أونروا وسط مخيم جباليا، حيث لجأوا قبيل ساعات من قصف المنزل والمنطقة المحيطة به.

وتقول لـ"العربي الجديد" إن البرد الشديد جعل أحفادها الستة النازحين مرضى بالإنفلونزا والسعال والإسهال، وتبدو عليهم ملامح الجفاف.

وتشير أم سامح إلى أن القصف لم يكن بإنذار مسبق، ولكنهم غادروا المنطقة مع سماعهم من قرب صوت اشتباكات بين عناصر المقاومة وقوات الاحتلال المتوغلة في المنطقتين الشرقية والغربية من حيّ نادي بيت لاهيا حيث يسكنون.

وتعرضت المنطقة لما يشبه الزلزال، ولم يبق منزل على حاله. وعن ذلك تقول أم سامح: "الحمد لله نجونا، نحن محظوظون، إذ إننا لم نفقد ولداً ولا حفيداً، ولكننا فقدنا البيت الذي يؤوينا. الحمد لله هذا حال كثيرين في قطاع غزة".

وفي مشروع بيت لاهيا المتاخم، الذي يقطنه في الأساس لاجئون هُجِّروا من مخيم جباليا بعد هجرتهم الأولى من بلداتهم في فلسطين التاريخية، لم يبق منزل في المنطقة إلا وتعرض للقصف والتدمير بين الجزئي والشامل.

وأمام منزله الذي دمر جزئياً، لكنه لم يعد صالحاً للسكن، وقف الفلسطيني عمر الغندور يضرب كفاً بكف، ويقول لـ"العربي الجديد": "إحنا (نحن) مش (لسنا) بخير".

ويشير عمر إلى أنهم آخر من غادروا المنطقة، قبل يومين من مغادرة جميع سكان المنطقة، وكانت البيوت سليمة إلى حد كبير، لكنهم عندما عادوا إليها مع ساعات الهدنة المؤقتة فوجئوا بدمار كبير طاول أكثر من 95% من المنازل.

ويعتقد عمر أن إسرائيل تعمدت قبل انسحاب آلياتها المتوغلة في محيط مقبرة بيت لاهيا تدمير جميع المنازل في المنطقة وتدفيع السكان ثمناً، وهم لم يفعلوا شيئاً، وليس بيدهم شيء.

ولاحظ مراسل "العربي الجديد"، الذي نزح عن منطقة مشروع بيت لاهيا قبل الهدنة الإنسانية بأربعة أيام، أن عشرات المنازل في المنطقة كانت سليمة عند نزوح الآلاف منها، لكن عند العودة مع ساعات الهدنة الأولى، وجد معظم المنازل قد استُهدفت بالطيران الحربي الإسرائيلي، ما يعني تدميرها كاملاً، أو بالقصف المدفعي، ما يعني تضررها بشكل كبير.

وتعمدت إسرائيل تدمير معظم براميل المياه أعلى أسطح المنازل، وهي التي تمد الناس بالمياه للاستخدام الشخصي، كذلك دُمِّرَت محطات للطاقة الشمسية كان أصحابها يساعدون بها الناس، عبر شحن هواتفهم ومن خلالها تعزيز صمودهم وبقائهم في المنطقة.

وفي مخيم جباليا، الذي ضمّ بين جنباته عشرات آلاف النازحين إلى جانب سكانه الذين يعدون أكثر من 150ألف لاجئ، لم يبقَ مكان يأوي الناس إليه، فناموا في مستوصف اليمن السعيد وعيادات أونروا وسوق المخيم. ولا يزال العشرات يبيتون هناك، خصوصاً من سكان بيت لاهيا وبيت حانون، اللتين منع الاحتلال سكانهما من العودة لتفقد منازلهم، وأطلق عليهم الرصاص الحي لتفريقهم.

وفي اليومين اللذين سبقا الهدنة الإنسانية، دمر الطيران الحربي ومدفعية الاحتلال عدداً من المربعات السكنية في المخيم، وخصوصاً منطقة السكة شرقاً، لإجبار سكانها على النزوح جنوباً، وأكمل توغله البري ليطبق الخناق على المخيم من الجهات الثلاث، الغربية والشرقية والشمالية، فيما أبقى الجنوبية ممراً لدفع السكان فقط للنزوح من هناك.

وقبل ذلك، أقرّ جيش الاحتلال بأن مخيم جباليا يضم أكثر من نصف مليون فلسطيني بين جنباته، ما يعني صعوبة اقتحامه وتعقد عمليته البرية في المخيم وأطرافه إلا من خلال دفع السكان إلى النزوح.

ودمر جيش الاحتلال قبل تراجع آلياته من محيط المستشفى الإندونيسي، شرقيّ بيت لاهيا، عشرات الأبراج السكنية في حيّ الشيخ زايد، الذي يضم عشرات الأبراج ومدرستين وكان معظم سكانه من الفقراء والبسطاء الذين تسلموا شققاً سكنية في عهد السلطة الفلسطينية.

ولم يعد في شمال قطاع غزة ومدينة غزة ممر للسيارات والإسعافات، نتيجة لتدمير الشوارع عبر الأحزمة النارية أو عبر قصف المنازل وما ينتج منها من ركام، وتوقفت البلديات عن عملها تقريباً في ظل الدمار الذي لحق بمعداتها ونفاد الوقود اللازم لتشغيل الآليات ومضخات المياه والصرف الصحي.

ويقول مسؤول بشركة توزيع كهرباء غزة، لـ"العربي الجديد"، إن القصف الإسرائيلي على محافظتي غزة وشمال القطاع أدّى إلى تقطيع شبكات الكهرباء وانهيار المحولات، فيما يحتاج إعادة إصلاحها وصيانتها إلى نحو عام.

ودمّر القصف كذلك آبار المياه وخطوط نقلها وآبار الصرف الصحي وشبكات المياه المنزلية، وإعادة صيانتها تحتاج إلى أشهر.

وإلى جانب ذلك، تنتشر روائح كريهة في المناطق التي زارها مراسل "العربي الجديد"، حيث تنتشر الكلاب والقطط الميتة في الشوارع نتيجة القصف أو الجوع الذي أصابها، ونتيجة لأكوام القمامة التي تملأ الشوارع، ولم تتمكن البلديات من جمعها ونقلها إلى أماكن تجميع القمامة المركزية.

ولم يبقَ في شمال قطاع غزة ومدينة غزة صيدليات تعمل ولا عيادات طبية، ونفد كل الطعام والمعلبات والدقيق والمستلزمات المنزلية من المحال والأسواق، وأصبح الحصول على ما يكفي من أجل استمرار الحياة ضرباً من المستحيل.

 

(العربي الجديد)