في حياة الأمم والشعوب وحتى المجتمعات والعائلات والأشخاص ثمة فترات عصيبة وأخرى أكثر صعوبة أو مأساوية.. هذه الفترات هي السمة الأبرز والأطول في تاريخ كل البشر.
كتاب التاريخ في الأساس كله حروبٌ وأزماتٌ ومجاعاتٌ وأوبئة واضطرابات، أما فترات الاستقرار والسلام فهي أشبه بعناوين فرعية صغيرة في ذلك الكتاب، كما أن فرص الوثوب والنهوض لم تكن أكثر من مجرد ومضاتٍ خاطفة.
نظريات المؤامرة ليست مسؤولة عن كثير مما يحدث، وإن كانت هذه النظريات واردة ، ذلك أن (الصراع) على السلطة والثروة حقيقة أزلية في كل زمان ومكان، والأخطر منه هو الصراع دفاعاً عن الهويات المختلفة ، الدينية أو القومية أو الثقافية.
فشلت كل الأديان والمحاولات الاصلاحية الكبرى في جعل أي حل لأي نوع من تلك الصراعات في مصلحة الخبر، بل ظلت كل حرب تلد ما بعدها.
حتى بأدنى معايير العدل والمساواة لم يختلف ظلم الإنسان لأخيه الانسان في أهون الأحوال عما لخصه شاعر مصر الكبير حافظ إبراهيم بقوله:
لَقَد كانَ فينا الظُلمُ فَوضى فَهُذِّبَت
حَواشيهِ حَتّى باتَ ظُلماً مُنَظَّما
صحيح أن الصراع دائماً هو بين الخير والشر، بين الحق والباطل، لكن المعضلة هي أن كل طرف يعتقد أنه وحده هو من يمثل الخير وأن الحق إلى جانبه، وأن الآخر هو شرٌ مستطير وكل دعواه قائمة على الباطل.
قليلٌ من الناس من أقَرَّ بأنه (ربما) كان على خطأً بعد ارتكابه الكثير من المظالم في حق غيره، فالحقيقة في الأساس هي ان الإنسان كبشر مجبول على الظلم عن وعي ودون وعي، ويكفي هنا أن نتذكر قول المتنبي في رائعته (لِهَوَى النفوس سريرةٌ لا تُعْلمُ):
الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد
ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمِ
مع ذلك تظل محاولات أصحاب العقول المستنيرة والضمائر الحية قائمة لتجنب الانزلاق في مهاوي الظلم، إذ "ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ".
من صفحة الكاتب على فيسبوك