يحاول اليمنيون الاحتفال وسرقة لحظات من البهجة والفرح في المتنزهات والمواقع الأثرية رغم المعاناة والإرهاق التي أفرزتها الحرب الدامية منذ ثمانية أعوام، من ظروف معيشية منهارة وانقطاع الرواتب وتدهور اقتصاد البلاد.
وتعد "دار الحجر" الأثرية في العاصمة صنعاء من أهم المعالم التاريخية والأثرية، حيث يقصدها اليمنيون خلال الأعياد والمناسبات، لاسيما في ظل الحرب الحالية بحثا عن البهجة والراحة.
"قيمة تاريخية"
ويكتسب قصر" دار الحجر" قيمة تاريخية وأثرية، حيث شيد أواخر القرن الثامن عشر للميلاد، بوادي ظهر على بعد 14 كلم شمال غرب صنعاء.
وقد بني هذا القصر على صخرة ارتفاعها 35 مترا عن سطح الأرض، وتؤكد المراجع التاريخية أن القصر بشكله الحالي بني على أنقاض قصر قديم كان يعرف بحصن "ذي سيدان" الذي بناه الحميريون عام 3000 قبل الميلاد.
وورد ذكر "دار الحجر" أو قصر "ظهر" التاريخي، في النقوش اليمنية القديمة خاصة نقش النصر، مقترنًا بمدينة ظهر التي يرجع تاريخ بنائها إلى القرن السابع قبل الميلاد.
ويعتبر هذا القصر، تحفة معمارية فريدة، حيث يمتاز بتصميم هندسي ساحر، وطراز معماري نادر، تتجلى فيه عبقرية وعظمة الإنسان اليمني القديم.
"إحدى عجائب الفن المعماري"
وفي السياق، قال السفير اليمني لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، محمد جميح إن بناء القصر يعود إلى العصور السبئية، ثم توالت العصور والغزوات والمعارك عليه، وفي كل مرة يعاد بناؤه.
وأضاف جميح في حديث خاص لـ"عربي21" أن آخر مرة أعيد بناؤه أواخر القرن الثامن عشر على أنقاض قصر سبئي قديم بُني في الألف الثالث قبل الميلاد، بحسب كثير من المؤرخين.
وأشار الدبلوماسي اليمني إلى أن للقصر موقعا استراتيجيا على صخرة مطلة على الوادي الخصيب المسمى وادي ظهر، مؤكدا أنه منذ إعادة بنائه عُدَّ القصر منتجعاً صيفياً لعدد من الأئمة في اليمن.
وحسب السفير اليمني لدى اليونسكو فإن القصر يعد إحدى عجائب الفن المعماري اليمني، حيث بني بطريقة تضمن وجود طقس معتدل في الصيف وقليل البرودة في الشتاء، داخله.
وقال إنه سمي "دار الحجر" بسبب بنائه فوق صخرة كبيرة نسب إليها، فيما سيظل القصر واحداً من نماذج الإبداع المعماري في اليمن.
"بناء الدار"
ويتألف البناء الأثري من سبعة أدوار، ومحاط بسور كبير يتم الدخول إليه من بوابة كبيرة تنتصب أمامها شجرة ضخمة.
ويضم الدور الأول غرفا للحراس وعمال القصر، وفي الدور الثاني توجد بئر عمقها حوالي 70 مترا تزود الدار بالمياه، وتتوزع حول هذه البئر مطابخ ومخازن ومطاحن حجرية للحبوب.
أما الدور الثالث، فتوجد فيه غرف عائلية تنتشر على جهات مختلفة، يتم استخدامها حسب فصول السنة. ففي هذا الدور غرف صيفية باردة وأخرى باتجاه الشمس، حيث تمنح ساكنيه الدفء خلال فصل الشتاء.
ويضم القصر مغارات متوسطة العمق، قيل إنها استخدمت مقابر قديمة لسكان القصر.
ويضم الدور الثالث أيضا، شرفة واسعة مزودة بأحواض مائية كانت تستخدم للغسيل، إضافة إلى غرف النوم المزودة بخزانات جدارية لحفظ الملابس والمجوهرات والمقتنيات الثمينة.
وما يميز تلك الغرف هو إطلالتها على الوديان الخضراء التي تحيط بالقصر. فيما الدور العلوي الأخير، والذي كان مخصصا للملك وعائلته فيتكون من غرف ومجالس واسعة، تمكن من يجلس فيها من رؤية عميقة للمناظر الطبيعية المحيطة بالقصر.
ويوجد جناح خاص بالاستقبال في باحة القصر الواسعة، يطلق عليه اسم " الشذروان"، وهو مبنى منفصل عن القصر، له ساحة مسيجة بنوافذ خشبية.
"بحثا عن البهجة"
من جانبها، قالت أفراح عبدالغني، التي كانت تزور الموقع لـ"عربي21"، إن رؤية المواقع الأثرية والتاريخية تمنح النفوس بهجة تمكن الزائرين لها، من محو مؤقت لآثار الدمار الذي خلّفته الحرب.
وأضافت لـ"عربي21" أن اليمن غنية بمعالمها التاريخية، ودار الحجر من أبرزها، فهي الآن المقصد الأول لسكان صنعاء، الذين يذهبون لزيارة المكان، كي يأخذوا قسطا من الراحة والعيش في أجواء العيد بعيدا عن الواقع الدامي بسبب الحرب وويلاتها.
وأشارت عبدالغني إلى أن العائلات اليمنية تجتمع هناك تحت سقف واحد بمختلف أجناسهم وأطيافهم... يجمعهم شيء واحد هو الفرح والسعادة وتظل هذا الفرحة والوحدة في أعماق ذاكرتهم الى الأبد.
وقالت إنه عندما تتجول في أرجاء المكان وغرفه، فإنك تشعر بالشموخ والمجد إزاء تحفة معمارية عريقة، وأن اليمن ستظل شامخة كشموخ هذا القصر... وستتحدى كل المعوقات على مر العصور.
وتزخر اليمن بالعديد من المدن والمعالم التاريخية والأثرية التي تعود إلى أزمنة غابرة من بينها "عرش الملكة بلقيس" و"ومعبد أوام" في محافظة مأرب، شرقا، ومدينة صنعاء القديمة.
(عربي 21)