تصطدم غالبية الأسر اليمنية بأزمة تدني مصادر الدخل وعدم كفايته لتغطية نفقات عيد الأضحى ومختلف المناسبات الأخرى، بالنظر إلى ما تمر به من تحديات معيشية وغذائية وصعوبة التوفيق بينها وبين مستويات الدخل التي انخفضت بفعل تبعات الحرب والصراع.
رصدت "العربي الجديد"، الأسواق المحلية في عدة مدن يمنية؛ وتبين أن تكلفة توفير بعض متطلبات عيد الأضحى، مثل كسوة لأربعة أفراد ومكسرات وحلويات وثلاثة كيلوغرامات من اللحوم مع تخلي نسبة كبيرة من الأسر اليمنية عن شراء الأضاحي، تصل إلى حوالي 80 ألف ريال كحد أدنى. وهذا ينطبق على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في حين يزيد المبلغ إلى الضعف في المناطق التي تديرها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
ويبلغ سعر الدولار 1376 ريالاً في عدن، و563 ريالاً في صنعاء. المواطن سامي لطف، من سكان صنعاء، يقول لـ"العربي الجديد"، إن نصف الراتب الذي حصل عليه، (تصرف سلطة الحوثيين نصف راتب للموظفين في صنعاء في المناسبات العيدية الدينية)، لا يكفي لتوفير ملابس جديدة لطفل واحد أو شراء كيلوغرامين من اللحم لأول يومين في العيد، إذ لا يزيد نصف راتبه على 30 ألف ريال يمني.
يصل سعر كيلوغرام لحم الغنم في العاصمة صنعاء إلى أكثر من 7 آلاف ريال وحوالي 15 ألف ريال سعره في عدن جنوب اليمن، في حين لا تقل تكلفة شراء كسوة من الملابس للشخص الواحد عن 13 ألف ريال. بحسب بيانات صادرة عن برنامج الأغذية العالمي مطلع العام الحالي عن حالة الأمن الغذائي في اليمن، فقد ارتفع سعر الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة 65 في المائة في مناطق جنوب البلاد التي تقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ونحو 31 في المائة في المناطق الواقعة تحت نفوذ الحوثيين.
المواطن ثابت الحوري من سكان مدينة عدن، يقول لـ"العربي الجديد" إن المتطلبات الغذائية الضرورية من أرز وسكر وزيت الطعام وغيرها استوعبت نسبة كبيرة من راتبه كعامل في إحدى المؤسسات التجارية الخاصة، بينما تم شراء ملابس عيد الأضحى لأولاده الثلاثة في عيد الفطر الماضي.
ويعتبر أن الوضع في مناطق الحكومة اليمنية أفضل وأكثر استقراراً بالنسبة للتوظيف ومدفوعات الرواتب مقارنة بمناطق الحوثيين، حيث تلقى موظفو القطاع العام في مناطق الحكومة رواتبهم ضعف ما تلقاه نظراؤهم في مناطق الحوثيين خلال 12 شهراً الماضية.
وتتفاوت الحركة التجارية مع قدوم عيد الأضحى من منطقة لأخرى في اليمن وسط ركود نسبي غير معتاد في مثل هذه الفترة التي كانت تصل فيها الحركة التجارية إلى ذروتها، كما يلاحظ ذلك في المدن الرئيسية، خصوصاً في صنعاء وعدن وحضرموت.
الباحث الاقتصادي جمال حسن العديني، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن هناك انهياراً في القوة الشرائية لليمنيين مع انعدام السيولة واستنفاذ غالبيتهم للمدخرات التي كانت بحوزتهم مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والنقدية والغذائية، وأصبح الكثير من المواطنين داخل اليمن يتعاملون مع العيد كأحد الأيام العادية، باستثناء اهتمام البعض بشراء الملابس للأطفال أو التركيز على الأضاحي خصوصاً في المناطق الريفية، حيث تتركز عملية تربية المواشي واستثمارها واستغلال ثمنها في شراء متطلبات عيدية أخرى كالملابس والمكسرات والحلويات.
وتشير التوقعات الاقتصادية الأممية إلى ضبابية الوضع في اليمن خلال الفترة المقبلة مع عودة تدهور سعر صرف العملة المحلية وانخفاض القوة الشرائية للأسر اليمنية، إذ أن سعر الصرف حالياً أسوأ مما كان عليه قبل الهدنة في شهر أبريل/نيسان 2022.
وفقدت العملة المحلية في عدن ومناطق الحكومة اليمنية ما يقارب 26 في المائة من قيمتها منذ شهر أبريل/نيسان عندما تم إعلان الهدنة العام الماضي وسط عجز كبير في احتياطيات العملات الأجنبية، بمقابل استقرار نسبي في المحافظات الواقعة شمال اليمن.
ويقول خبراء اقتصاد إن نقاط التفتيش المتعددة والازدواج الضريبي وارتفاع تكاليف التأمين أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في معظم المناطق اليمنية، بينما حل هذه الأزمة يتطلب زيادة إنتاج الغذاء على مستوى المجتمعات المحلية وتوسيع الخيارات المتاحة للمنتجين.
ويعتبر المحلل الاقتصادي محمد الحيدري، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن التضخم في اليمن أهم مشكلة تتجسد آثارها في مثل هذه المناسبات، بما ترسمه من صورة حية لمعاناة اليمنيين وتضررهم من الحرب والصراع واستفحال الأزمات المعيشية بصورة لم يعد باستطاعة الكثير تحملها، حيث زاد التضخم مع اعتماد اليمن بشكل كلي على استيراد جميع احتياجاته الغذائية الأساسية والتي ارتفع سعرها بشكل حاد مع انخفاض قيمة الريال طوال فترات الصراع.
وتكشف تقييمات الأمن الغذائي في حالات الطوارئ للأمم المتحدة عن تأثير تباطؤ النشاط الاقتصادي على مستوى الأسرة في اليمن في ظل معاناة معظم السكان من انخفاض كبير في مستويات المعيشة منذ بداية الحرب والصراع في البلاد عام 2015.
(العربي الجديد)