تستعد الفرق والطواقم الفنية الأممية لبدء عملية نقل النفط من الناقلة المتهالكة العملاقة صافر الراسية قبالة ساحل اليمن على البحر الأحمر إلى سفينة أخرى، وسط ترقّب واسع لنتائج عمل متعدد الأطراف يستهدف منع حدوث كارثة تسرّب نفطي هائلة بتكلفة لا تضاهي ما قد يتطلبه تنظيف تسرب بهذا الحجم.
وارتفعت وتيرة الإجراءات والتحركات منذ منتصف العام الماضي 2022 لحل هذه الأزمة التي أثارت قلق المجتمع الدولي، بالتوازي مع تحذيرات من وضعيتها المتردية وتبعات أي تسرب نفطي في حال حدوثه والذي قد يعرض ملايين البشر للتلوث الهوائي، إضافة إلى آثار مدمرة على المجتمعات الساحلية وتدمير الشعاب المرجانية وأشجار المنغروف الساحلية وغيرها من الحياة البحرية في البحر الأحمر.
منشأة تخزين عائمة
شيدت الناقلة صافر في عام 1976 كناقلة نفط عملاقة، وتم تحويلها بعد عقد من الزمن لتصبح منشأة تخزين وتفريغ عائمة. وترسو "صافر" على بعد حوالي 4.8 أميال بحرية قبالة ساحل محافظة الحديدة في اليمن. وتحمل السفينة ما يقدّر بنحو 1.14 مليون برميل من النفط الخام الخفيف. وعُلقت عمليات الإنتاج والتفريغ والصيانة على متن "صافر" في عام 2015 بسبب الحرب في اليمن. ونتيجة لذلك، تدهورت أنظمة السلامة على الخزان وتهالكت بنية السفينة بشكل كبير.
ويعيش اليمن منذ هذا الوقت على وقع صراع طاحن تسبب بتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة، وحرب أخرى لا تقل تأثيراً متمثلة بالتجاذبات المتعلقة بالناقلة صافر المتهالكة والتي لم تخضع للصيانة منذ نحو 10 سنوات، إذ يهدد تفاقم وضعها النظم البيئية للبحر الأحمر التي يعتمد عليها 30 مليون شخص في جميع أنحاء المنطقة.
تضمّن الاتفاق الموقع عليه في مارس/ آذار من عام 2022 بعد سنوات من الصراع والتجاذبات صيانة خزان صافر وتفريغه وشراء سفينة بديلة وسحب الخزان العائم القديم وبيعه كخردة.
السفينة البديلة
الخبير الجيولوجي والاستشاري في تنمية الموارد الطبيعية عبد الغني جغمان يبدي استغرابه في حديثه لـ"العربي الجديد" من طريقة التعامل مع النفط الخام الذي سيفرغ إلى السفينة البديلة، ولماذا لا يباع بدلاً من نقله من سفينة إلى أخرى.
وتصل كمية النفط الخام المخزنة في الناقلة اليمنية المتهالكة صافر منذ عام 2015 إلى نحو مليون و148 ألف برميل، إذ تقدر العائدات المالية لهذه الكمية في حال تم بيعها بدلاً من تفريغها من سفينة لأخرى بحوالي 42 مليون دولار بسعر أقل من المتداول حالياً للنفط والذي يصل إلى نحو 70 دولاراً للبرميل الواحد، في حين تقدر تكلفة السفينة صافر التي ستباع خردة بنحو 17 مليون دولار.
ويرى جغمان أن بيع النفط الخام هو الطريقة التي بإمكانها ضمان عدم وجود تلوث، مشيراً إلى التناقض بين ناقلة بمواصفات ومعايير عالية وأخرى ضعيفة بعمر افتراضي قريب الانتهاء، ما يجعلها أسوأ حالاً من "صافر".
وتؤكد وثائق منشورة حول السفينة البديلة نوتيكا التي جرى شراؤها بمبلغ يصل إلى 55 مليون دولار انخفاض عمرها الافتراضي الذي لم يتبق منه سوى 5 سنوات، وأوضاعها الفنية غير مناسبة، لكن اتفق على شرائها وإخضاعها للصيانة في دولة سنغافورة وقد تحركت باتجاه اليمن وهي حالياً في جيبوتي، فيما تحركت سفينة الورشة إلى جوار الناقلة صافر لبدء عملية الصيانة لنقل النفط من الخزان العائم إلى السفينة البديلة.
ترحيل للمشكلة
يوضح مراقبون أن ما يجري عبارة عن ترحيل للمشكلة من سفينة متهالكة إلى أخرى ضعيفة ولن تكون قادرة على مقاومة الجو والطقس في ساحل اليمن الغربي بمحافظة الحديدة من ناحية الرطوبة وتآكل الحديد وغيرهما من التأثيرات.
الخبير اليمني المتخصص في علوم البحار كمال الصرابي يشرح لـ"العربي الجديد" اتجاهات التيارات البحرية في سواحل اليمن الشمالية الغربية والتي تتجه نحو الجنوب، والجنوب الغربي، الأمر الذي يضاعف الخطر والتبعات التي قد تنتج عن حدوث أي تسرب وارد، في ظل التخبط الملاحظ في التعامل مع هذا الموضوع. ويشير الصرابي إلى وضعية اليمن في اختلاف المواسم من فصل لآخر، مؤكداً أن الإجراءات الخاصة باتفاق مارس/ آذار لتفريغ الخزان والتي ستبدأ في فصل الصيف تنذر بتهديدات قد تكون واسعة بالنظر إلى طبيعة التيارات السطحية في هذا الفصل التي تكون كثيفة وقوية باتجاه خليج عدن وقد تحمل معها في حال حدوث تسرب، ولو بسيطاً، كمية تلوث خطيرة يصعب تلافيها.
تعزز مخاوف ومخاطر الصرابي التبعات التي جرى تأكيدها الناتجة عن تدهور وضعية الخزان خلال السنوات الثلاث الماضية، أهمها حدوث تسرب وصل إلى غرفة المحرك، ما هدّد وضعية السفينة واحتمالية انسكاب النفط في البحر بالرغم من مسارعة الفرق الفنية الأممية إلى الإعلان في 2021 عن معالجة هذه المشكلة واحتواء مؤقت للتسرب.
دعم دولي
طالب اليمن المجتمع الدولي في جلسة عُقدت بالجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة مخاطر الكوارث في 31 مايو/ أيار الماضي بتقديم الدعم وسد الفجوة التمويلية لتغطية خطة الأمم المتحدة للتخلص من المخاطر المتوقعة عن ناقلة النفط صافر الراسية في راس عيسى بمحافظة الحديدة بالبحر الأحمر، والتي ما زالت تمثل عامل تهديد لبيئة البحر الأحمر ومواردها ونظمها الطبيعية وسُبل العيش والأمن الغذائي على مستوى اليمن ودول الجوار.
ويشدّد المستشار القانوني علي جبران، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أهمية إيجاد إطار قانوني وتشريعي ينظم هذه العملية ويحدد مهام ومسؤوليات جميع الأطراف المشتركة فيها، لأن الموضوع يتعلق بكارثة بيئية قد تدمر الشواطئ اليمنية في البحر الأحمر والمناطق المحيطة بها في محافظات الحديدة وحجة والمحويت وريمة وتعز.
يدفع اليمن تكلفة باهظة جراء التلوث البيئي ورمي المخلفات في السواحل والمياه تتجاوز أكثر من 500 مليون دولار، وفق بيانات تقديرية صادرة عن وزارة الثروة السمكية اليمنية اطلع عليها "العربي الجديد".
أضرار على الصيد
يشير رئيس جمعية سمكية، حسن الكدادي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن كتلة عمالية كبيرة تعمل في الصيد أصبحت منذ سنوات في دائرة الخطر ومهددة بفقدان المصادر الوحيدة للدخل نتيجة للأزمة البيئية المهددة لسواحل اليمن على البحر الأحمر والألغام البحرية، بينما تتوسّع المشكلة إلى مناطق أخرى في البلاد، كعدن والمهرة، بسبب ما تخلفه سفن الصيد الأجنبية التي تستبيح السواحل اليمنية مخلفة أضرار باهظة تقدرها جهات ومؤسسات حكومية معنية بقطاع الصيد وجمعيات سمكية رسمية بنحو 1.8 مليار دولار.
في السياق، تقول الأمم المتحدة إن التكلفة الإجمالية للعملية، المكونة من مرحلتين، تقدّر بنحو 142 مليون دولار لتأمين نقل النفط من "صافر" إلى "نوتيكا"، في حين لا تزال هناك حاجة لمبلغ إضافي بنحو 33 مليون دولار، منها 14 مليون دولار لم يُحصل عليها حتى الآن لإكمال المرحلة الحالية من العمل.
وتتضمن المرحلة الأولى من الخطة الفنية المعدة لتفريغ خزان "صافر" المتهالك إيجاد مكان مناسب وآمن للسفينة نوتيكا ومن ثم العمل على إعدادها وتجهيزها لتفريغ النفط الخام إليها، بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية المتمثلة بفصل الناقلة القديمة وسحبها بعيداً للتفكيك، وإحضار منصة نفطية لتوصيل السفينة الجديدة بخط الأنابيب لتأمين مخزون النفط الذي سيفرغ، مع الحدّ من أي آثار، لحماية البيئة البحرية.
(العربي الجديد)