تعدّ تربية النحل نشاطا واسع الانتشار في اليمن، حيث يعتمد الآلاف في هذا البلد على النحل لكسب سبل عيشهم من خلال إنتاج العسل، إلا أن هذا القطاع تكبد خسائر كبيرة بسبب الحرب والصراع الدائر منذ ثمانية سنوات.
واكتسب العسل اليمني شهرة عالمية؛ بسبب فوائده العديدة، لاسيما العلاجية لعدد من الأمراض، وقيمته الرفيعة وجودته العالية، نظرا لطبيعة الأرض وتنوّع المراعي كالجبال الشاهقة والوديان والهضاب الواسعة والسواحل الطويلة، وهو أمر جعل منه أحد المقّومات الاقتصادية للبلد.
إلا أن الحرب التي تجاوزت عامها الثامن في البلاد، تسببت في تراجع إنتاج العسل بنسبة تصل إلى خمسين بالمئة، بسبب القيود التي فرضت على حركة النحالين، وأعاقت تنقلهم من منطقة إلى أخرى، فضلاً عن فقدان الآلاف منهم الكثير من خلايا النحل، جراء النزوح والصراع والاحتطاب والرش العشوائي للأراضي الزراعية بالمبيدات الحشرية.
ونظرا للقيمة الغذائية للعسل اليمني وجودته العالية، فإن سعره يعد من الأعلى عالميا، إذ يتراوح سعر العسل في اليمن من 100 دولار للكيلوغرام من عسل السدر إلى 70 دولارا للأنواع الأقل جودة.
أما العسل الذي يتم تصديره خارج اليمن، فإن سعره يتراوح ما بين 180 دولارا و200 دولار للكيلوغرام الواحد.
"الحرب والصراع"
وفي السياق، يرى محمد الحكيمي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة "حلم أخضر" البيئية، أنه في السنوات الفائتة، تضرر قطاع النحل اليمني بشكل كبير جراء الحرب واستمرار الصراع، وتكبد النحالون خسائر فادحة.
وقال الحكيمي في حديث خاص لـ"عربي21" : "في مناطق الساحل الغربي، والمناطق الحدودية، أعاقت المعارك النحالين على التحرك ليلاً، خصوصا المعارك التي دارت في محيط مراعي النحل في الحديدة وتعز وشبوة وغيرها من المناطق".
وأضاف أن العديد من النحالين خسروا خلاياهم أيضا جراء الألغام والمتفجرات في بعض تلك المناطق، وتعرض كثيرون لخسائر فادحة جراء القصف الجوي في أثناء تنقلاتهم.
وأشار رئيس مؤسسة "حلم أخضر" البيئية، إلى أن القيود المفروضة على حركة التجارة الخارجية والتصدير من قبل التحالف الذي تقوده السعودية أثرت كثيراً على تجارة وتصدير العسل اليمني، نتيجة إغلاق المنافذ الحدودية لليمن، والتي أعاقت إمكانية تصدير المنتجات إلى خارج البلاد، وساهمت في تدهور تجارة العسل اليمني.
"أسباب التراجع"
وأكد الحكيمي أن الحرب هي أحد الأسباب الرئيسية لتدهور قطاع النحل، إلى جانب أسباب رئيسية أخرى وهي: "الاستخدام المفرط للمبيدات والسموم، وتأثير التغيرات المناخية، وتردي الوضع الاقتصادي، وتراجع الغطاء النباتي جراء الاحتطاب، إلى جانب زيادة الأنشطة البشرية، وتوسع بناء العقارات فوق الرقعة الزراعية".
وقال إنه في السنوات الأخيرة، ارتفع استخدام المبيدات، ورصدت تقارير أصدرتها مؤسسة حلم أخضر العام الماضي، نفوق عشرات الآلاف من خلايا نحل العسل اليمني في 6 محافظات جراء تسممها بالرش العشوائي والمفرط للمبيدات من قبل المزارعين.
وتابع: "في العام 2020، تعرضت 15 ألف خلية نحل للنفوق والموت نتيجة رش المبيدات الممنوعة في مناطق متفرقة بمحافظة ذمار وسط البلاد".
إلى جانب ذلك، فرضت تغيرات المناخ وتذبذب مواسم وكميات الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، تحديات قاسية على مربي النحل في اليمن طيلة العقد الأخير، وجعلت النحالين عرضة للتهديدات المستمرة لحوادث المناخ المتطرفة، بحسب الحكيمي.
واستطرد: "في العامين الماضيين تأثر قطاع النحل وإنتاج العسل اليمني بشدة، جراء الصدمات البيئية والمناخية، والتي كان أبرزها الجفاف الشديد، وشح الأمطار، وزيادة درجة الحرارة في المناطق الجنوبية الغربية والصحراوية، إلى جانب الفيضانات والسيول المفاجئة التي شهدتها المناطق الشمالية والشرقية بالبلاد، نتيجة الأمطار غير الموسمية الناجمة عن تغير المناخ خلال مواسم الأزهار، حيث صنفت هذه الفيضانات والسيول بانها الأسوأ منذ 4 عقود باليمن".
وبسببها، وفقا للمتحدث ذاته، فقد الكثير من النحالين مصدر دخلهم الوحيد جراء الفيضانات المفاجئة التي جرفت الآلاف من خلايا النحل في مناطق متفرقة.
ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي المتدني بالبلاد، كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى تأثر قطاع تربية النحل، بسبب تراجع القوة الشرائية لمنتج العسل اليمني من ناحية، ومن ناحية أخرى توقف عملية التصدير لانعدام الأمن وصعوبة إجراءات المنافذ الحدودية البرية.
"حلول للحد من الكارثة"
وأوضح رئيس مؤسسة "حلم أخضر"، أن واقع قطاع النحل في البلاد يتطلب حزمة من السياسات والإجراءات العاجلة؛ لاحتواء الكارثة، وحماية هذا القطاع.
ومن تلك الإجراءات، يقول الحكيمي: "إعداد استراتيجية وطنية تركز على إنقاذ سلالة النحل اليمني كعنصر هام للتنوع البيولوجي، وتبني تشريعات لقطاع ومربيي النحل، وإعداد خطة وطنية لمواجهة الكوارث المناخية، وتفعيل سياسات الإرشاد الزراعي لتوعية المزارعين والنحالين وتجار المبيدات".
ومن الحلول أيضا، "فرض تشريعات أكثر صرامةً للتحكم في المبيدات، والحد من الأخطار المتربصة بالإنتاج الزراعي والحيواني في البلاد".
" معاناة وتحديات"
من جانبه، يقول جمال بن عايض، مربي نحل يمني، إن النحل هذه الأيام يتكاثر ويقوى مع سقوط الأمطار ونبت الأزهار".
وأضاف ابن عايض في حديثه لـ"عربي21" أن هناك تحديات تواجه النحالين، منها "صعوبة التنقل بين المحافظات؛ بسبب قطع الطرقات جراء الحرب، وكذلك غلاء المحروقات".
وتابع النحال اليمني بأن كثيرا من النحالين فقدوا مناحلهم لهذه الأسباب، بسبب القيود على تنقلهم من منطقة إلى أخرى، للوصول إلى المراعي الممتازة لخلايا النحل.
وأشار إلى أن النحالين يعانون كثيرا من رش المبيدات التي تسببت في نفوق النحل، وغياب أي رقابة من الجهات الرسمية على تلك المبيدات التي تدخل البلد.
كما أكد النحال بن عايض على أن توقف تصدير العسل إلى الأسواق الخارجية، تسبب في إلحاق خسائر كبيرة لدى النحالين، إضافة إلى هدم معنوياتهم.
وقد تراجع تصدير العسل اليمني خارج البلاد، إذ كانت تصدر 50 ألف طن من العسل سنويا، لكن صادراته بعد الحرب هبطت أكثر من 50 في المئة.