هكذا تحاول السعودية الظهور بمظهر الوسيط بعد الضربات الأمريكية البريطانية ضد الحوثيين في اليمن، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الرياض ترغب في البقاء خارج الصراع بين الحوثيين، من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها، من جهة أخرى، خوفا من الإضرار بعملية السلام التي بدأت مع المتمردين اليمنيين بعد تسع سنوات من الحرب.
وأضافت الصحيفة القول إنه بعد أن كانت الولايات المتحدة هي من تدعو السعودية في عام 2016 إلى وضع حد للحرب القاتلة التي شنتها قبل عام ضد المتمردين اليمنيين، انقلبت المعطيات حالياً وباتت الرياض هي التي تدعو لضبط النفس كما فعلت يوم الجمعة بعد الضربات الأمريكية البريطانية الأولى ضد أهداف الحوثيين في اليمن. وبحسب مصادر مطلعة على المناقشات، فإن ولي العهد السعودي لم يتردد في التذكير بأن الرياض واصلت تنبيه واشنطن عند بداية تدخلها في البلد الذي يشهد حربا، عام 2015، من الخطر الذي يشكله الحوثيون، والمطالبة عبثاً، بالتزام أقوى من الأمريكيين إلى جانبه.
ترجمة: القدس العربي
ولم يعارض محمد بن سلمان الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، لكنه حذر من تصعيد من شأنه أن يعرض أمن المملكة وعملية السلام التي بدأها مع المتمردين لإنهاء حربه في اليمن للخطر. ورغم ذلك، نفذت الولايات المتحدة ضربات جديدة خلال ليل الجمعة السبت في اليمن، بعد أن أطلق الحوثيون صاروخا باتجاه البحر الأحمر، دون التسبب بأضرار، بحسب واشنطن، تتابع “لوموند”.
حرص ولي العهد السعودي على البقاء خارج الصراع الذي وضع الحوثيين في مواجهة إسرائيل وحليفتها الأمريكية منذ بدء الحرب مع حماس في قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، توضح “لوموند”.
وتشير الصحيفة إلى أن السعودية لم تنضم إلى التحالف الذي تأسس في 18 ديسمبر الماضي ردًا على هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، قائلة إن الرياض تفضل إعطاء تطمينات لإدارة بايدن بشأن موضوع التطبيع مع إسرائيل، مكررة أنها ما تزال ملتزمة به.
وتنقل ”لوموند“ عن توماس جونو، المتخصص في شؤون اليمن، قوله: “المملكة العربية السعودية في وضع غير مريح للغاية.. فمن الواضح أنها تعارض الحوثيين وجهودهم لتعطيل حركة المرور البحرية في البحر الأحمر، لكنها تخشى التعرض لانتقامهم وعرقلة جهودها لعدة أشهر للتفاوض على انسحابها من اليمن”.
ومع تزايد الشائعات عن ضربات أمريكية بريطانية مساء الخميس، تحدث رئيس الدبلوماسية السعودية الأمير فيصل بن فرحان هاتفيا مع نظيره الإيراني أمير عبد اللهيان، الدولة المتحالفة مع الحوثيين.. فمنذ إبرام الاتفاق مع إيران برعاية الصين في مارس/آذار 2023، انخرطت المملكة العربية السعودية في سياسة التهدئة الإقليمية، وتعد إنهاء الحرب في اليمن أولوية بالنسبة لها، تقول الصحيفة الفرنسية.
البحرين قلقة
وأكد كبير مفاوضي الحوثيين محمد عبد السلام، الخميس، لرويترز البريطانية أن محادثات السلام ليست مهددة بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر. ويحترم المتمردون اليمنيون حتى الآن الهدنة التي تم التفاوض عليها في أبريل 2022 تحت رعاية الأمم المتحدة. وليس هناك ما يشير، في هذه المرحلة، إلى أنهم يعتزمون كسرها. وليس من مصلحتهم عودة الطائرات السعودية إلى الأجواء اليمنية. فخلال تسع سنوات من الحرب، ألحق التحالف الذي يقوده السعوديون خسائر بشرية ومادية كبيرة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، توضح “لوموند”.
وقد حصر الحوثيون تهديداتهم بالانتقام في “المصالح الأمريكية البريطانية”. وتشعر البحرين بالقلق بسبب مشاركتها في التحالف البحري ضد الحوثيين. وبقيت الدول الأخرى في المنطقة في الخلف، غير مطمئنة، فبعضها يستضيف قواعد أمريكية وبريطانية، تقول “لوموند”.
ودعت الإمارات العربية المتحدة إلى “الحفاظ على أمن المنطقة ومصالح دولها وشعوبها وفقا للقانون الدولي”، تشير “لوموند”، مضيفة أن أبوظبي، راعية الانفصاليين في جنوب اليمن، وكانت هدفاً لهجمات الحوثيين في الماضي، تجد نفسها في موقف حرج. وعلى الرغم من أنها ترغب في استعادة أمن حركة المرور البحرية، وهي ضرورية لاقتصادها، إلا أنها حريصة على عدم تعريض نفسها لانتقام الحوثيين. ومن الممكن أن تضر بالصورة التي بنيت عليها دبي، صورة جزيرة الاستقرار في قلب منطقة غير مستقرة.
ولم تتحول هذه الحرب لصالح الحوثيين فحسب، بل أدت أيضًا إلى هجمات على الرياض، وهي غير مرحب بها بشكل خاص لأن محمد بن سلمان يريد جذب السياح والمستثمرين الأجانب كجزء من خطته لتحديث المملكة “رؤية 2030”. ولإحلال السلام، فإن الرياض مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة. “يريد الحوثيون أن يروا المفاوضات مع المملكة العربية السعودية تنجح لأن الاتفاق الناشئ سيعزز قوتهم في اليمن. لكنهم سيستمرون في محاولة انتزاع المزيد من التنازلات، مستفيدين من حقيقة أن الرياض تريد إنهاء هذه الحرب بأي ثمن”.