خبراء يمنيون ودوليون يؤكدون على ضرورة إيجاد إرادة سياسية لمكافحة الفساد

19-12-2023 04:48:01
more

أكد خبراء يمنيون ودوليون على ضرورة إيجاد إرادة سياسية لمكافحة الفساد، وإعادة إحياء التحالف المدني لمكافحة الفساد في البلد الذي لم يعرف الاستقرار الأمني والسياسي منذ نحو عقد من الزمن.

جاء ذلك خلال ندوة افتراضية حول “الفساد والصراع وأولويات المرحلة المقبلة”، نظمها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالتعاون مع برلمانيون يمنيون لمكافحة الفساد، وبالتزامن مع اليوم الدولي لمكافحة الفساد.

وناقشت الندوة عدد من القضايا ذات الصلة بوضع الفساد في اليمن، وتأثيرات الصراع الدائر على الوضع بما في ذلك الاختلال الحاصل في آليات وهياكل مكافحة الفساد التي تصطدم بتعدد السلطات وانعدام الإرادة السياسية الداعمة لمكافحة الفساد والحد منه.

وفي افتتاح الندوة التي شارك فيها أكثر من 60 مشاركًا من أعضاء البرلمان اليمني ووزراء سابقين وممثلين لعدد من الأجهزة الحكومية والمنظمات الدولية والمؤسسات المحلية وصحفيين وناشطين مدنيين في مكافحة الفساد، قال رئيس منظمة يمن باك البرلماني صخر الوجيه، بأن الأزمات التي تعيشها اليمن ساهمت بشكل كبير في انتشار الفساد وتغلغله في ظل غياب الدور الرقابي الفعال سواء للسلطة التشريعية أو الأجهزة الرقابية الأخرى.

وأشار الوجية إلى ما أسماه تعطيل مجلس النواب عن قصد، والذي لم يعقد سوى مرتين، الأولى في سيئون لانتخاب هيئة جديدة للمجلس، والثانية في عدن أثناء أداء مجلس القيادة الرئاسي اليمين الدستورية، بعدها تم تعطيله تمامًا، عدا بعض الأنشطة الرقابية التي تقوم بها اللجان الخاصة التي تتقصى الحقائق حول بعض القضايا.

وأضاف: انتهت فترة الهيئة العليا لمكافحة الفساد، واللجنة العليا للمناقصات، ولم تصدر قرارات بإعادة تشكيلهما، بينما استمر الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في إصدار تقاريره دون وجود أذان صاغية من المجلس الرئاسي أو الحكومة.

كما استعرض كبير المستشارين الفنيين ومدير المشروع الإقليمي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في البلدان العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP أركان السبلاني، عدد من آليات الإنفاذ والمتابعة للاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد.

وأضاف: لا ينبغي حصر منظومات مكافحة الفساد في الأمم المتحدة، وحدها فهناك منظومات أخرى معنية بمكافحة الفساد، والتي تعتبر امتدادات تبنى عليها منظومة مكافحة الفساد، فالمكون الأول في المنظومات الدولية هي هذه المعاهدات، والمكون الثاني هو ما يصدر من توصيات غالبًا يكون لها صفة شبه إلزامية ويبنى عليها أحيانًا عقوبات كالتي تصدر عن منظمات العمل المالي، والمكون الثالث هو قوانين وطنية والتي تسمى قوانين الذراع الطويلة وإن كانت وطنية إلا إن لها أبعادًا دولية وذات قوة وتأثير خارج الحدود، وتأتي بعدها المؤشرات كمكون رابع لأنها تشكل منطلقًا وأساسًا يمكن البناء عليه لاتخاذ قرارات وصياغة عقوبات ذات أبعاد اقتصادية.

من جهته قدم كريم شعبان، مدير مكتب المشروعات الدولية الخاصة CIPE في الأردن، تشخيصاً لواقع وآليات مكافحة الفساد في اليمن بناء على دراسة حديثة تم إعدادها.

وتطرق شعبان إلى أهم الفجوات القانونية والدستورية الموجودة والمتمثلة في عدم وجود نصوص دستورية تؤكد على الشفافية بل على العكس هناك قوانين تحد من ذلك كقانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا.

كما اشار شعبان لأسباب تغلغل الفساد والتي تمحورت في وجود مصالح مرتبطة بكبار القادة العسكريين، ومحدودية استقلالية الجهات الرقابية ومكافحة الفساد، وغياب مبادئ الحكم الرشيد، والشفافية والإفصاح، وعدم حماية المبلغين والشهود، وغياب الكثير من الخبرات والتقنيات المعينة في مكافحة الفساد، كذلك انعدام مؤشرات ومعايير الأداء، وتعطيل الهيئة العليا للمناقصات والمزايدات، ومنظومة الرقابة والمساءلة معطلة بشكل عام، ولم يستثنِ شعبان الصراع، وازدواجية عمل المؤسسات الحكومية من الأسباب التي ساهمت في اتساع رقعة الفساد وتفشيه في اليمن.

إلى ذلك تحدث الدكتور سعد الدين بن طالب، وزير التجارة والصناعة الأسبق وعضو في أول هيئة مكافحة فساد تم تشكيلها في اليمن، عن العلاقة بين الصراع والأزمات والفساد وآليات مكافحة الفساد في المرحلة القادمة، مؤكدا أن اليمن بحاجة ماسة لتفعيل الإرادة السياسية من أجل إيقاف الفساد المنظم الذي ينخر كافة المؤسسات، ويهدد السلم الاجتماعي ويزيد من سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إلى أسوأ مرحلة على الإطلاق.

وأضاف: اليمن تمتلك بنية قانونية وتشريعية كافية لمجابهة الفساد بما في ذلك الهياكل والمؤسسات اللازمة للقيام بمهمة اجتثاث الفساد ومحاصرته، إلا إنها تصطدم بضعف التوجه السياسي من رأس الدولة للقيام بذلك، وهو ما أدى إلى استشراء الفساد في كافة المؤسسات من الأعلى إلى الأدنى.

البرلماني علي عشال، الحائز على جائزة مكافحة الفساد من قبل المنظمة الدولية للبرلمانيين ضد الفساد، تحدث من جهته عن دور المؤسسات الرقابية الرسمية في مكافحة الفساد، وحالة الشلل التام التي تعيشها هذه المؤسسات وهو ما شجع على استشراء الفساد وانتشاره في كافة مفاصل الدولة، مشيرًا إلى ما يعيشه مجلس النواب من توقف تام عن ممارسة مهامه الرقابية ومحاسبة المسؤولين المعنيين، مما شجع الفاسدين على القيام بعملهم بأريحية ووصل الحد ببعضهم إلى رفض التجاوب مع البرلمان اليمني في عدد من طلبات الاستجواب بل حتى لمجرد الرد على بعض الأسئلة التي تقدم بها برلمانيون للحصول على إجابات حول عدد من التجاوزات المشرعنة للفساد.

وشدد مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، على أهمية وجود تحالفات وإقامة تشبيك بين منظمات المجتمع المدني والإعلام، والقطاع الخاص في سبيل مكافحة الفساد، خصوصًا مع انهيار المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد.

وأضاف نصر: بأن هناك تراجع شعبي وإعلامي في مواجهة الفساد، وإقصاء للمجتمع المدني من أي محاولة للمواجهة، وهو ما يدعونا إلى إعادة إحياء التحالف المدني لمكافحة الفساد الذي كان يرعاه البنك الدولي.

وتخللت الندوة عدد من المداخلات الرئيسية لممثلين عن جهات حكومية كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والمحامي العام الأول في الجمهورية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، ومداخلات أخرى للحاضرين أثرت النقاش وتناولت واقع جهود مكافحة الفساد في اليمن والوسائل التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة تغلغل الفساد وانتشاره في المؤسسات الرسمية.

وخرجت الندوة بعدد من التوصيات أهمها، تحفيز الإرادة السياسية بشتى الطرق ومختلف الوسائل، للتشخيص المباشر لواقع الفساد، ومن ثم إعادة بناء استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد، واقعية وقابلة للتطبيق بالشراكة مع كل الجهات، مع الاهتمام والتركيز على المحليات ودعم وإحياء دور المؤسسات المحلية، وإعادة إحياء وتشكيل التحالف المدني لمكافحة الفساد والذي كان قائمًا بدعم من البنك الدولي، إضافة إلى القيام بمبادرات لتشخيص منظومة الفساد، ووضع مسار عمل مرحلي للتأسيس عليه في جهود مكافحة الفساد، وتشكيل لجنة من جهات عدة حكومية وغير حكومية لرصد وتتبع الفساد الذي يمارسه الانقلابيون الحوثيون في كافة المرافق الخاضعة لسيطرتهم.