قال مستشار الرئيس اليمني، عبد الملك المخلافي: "إن معركة "طوفان الأقصى"، والعدوان الصهيوني غير المسبوق في شراسته وحجمه ومداه على غزّة والشعب الفلسطيني، تسبب في مأزق وجودي للنظام الرسمي العربي ومن الصعب توقّع نتائج هذا المأزق على المدى القريب والبعيد، خاصة أنّ هذا النظام الرسمي العربي لم يكن في أفضل حالاته وإنما كان في وضع الموت السريري، ولم يتبقّ إلا مظاهر وجوده كنظام للتضامن والأمن الجماعي العربي".
جاء ذلك في مقال له اليوم الاثنين نشره بإحدى الصحف العربية، وأعاد نشره على صفحته الخاصة على منصة "إكس" بعنوان: "مأزق النظام الرسمي العربي!".
وأشار المخلافي إلى أن "العديد من دول هذا النظام العربي عانت وتعاني من حروب أهلية وانقسامات وانتهاء جيوشها وتحوّلها إلى مليشيات تدير حروبًا أهلية وصراعات طائفية ومناطقية وليست مؤهلة لأيّ دور في حفظ الأمن القومي العربي، بل في الدفاع عن دولها وأمنها".
وذكر أن "دولا عربية أخرى طبّعت مع العدو الصهيوني بل وربما رأته أقرب لها من بعض فصائل المقاومة الفلسطينية مثل "حماس"، ودولا جديدة في طريقها للتطبيع، وأربع عواصم عربية تحت سيطرة إقليمية إيرانية تدور مع الموقف الإيراني وتنفّذ سياسته ولا يمكن اعتبارها جزءًا من نظام إقليمي عربي موحّد وفعّال".
وأكد المخلافي أن "أولوية الأمن الجماعي العربي والتحديات والقضايا المشتركة في دول النظام الرسمي العربي غابت وأصبح لكل نظام أولويات وهواجس أمنية متعارضة مع أولويات دول أخرى في النظام ذاته، بل وأصبحت القضية الفلسطينية التي توحّد حولها النظام الرسمي العربي خارج اهتمام بعض الدول العربية".
ووفق المخلافي فإنه "وفي الوقت الذي يتأكد فيه التحالف الأمني لعدد كبير من الدول العربية مع الولايات المتحدة الحليف الأول والداعم لـ"إسرائيل"، فإنّ دولًا إقليمية خارج المنظومة العربية مثل إيران وتركيا بل و"إسرائيل" ذاتها ـ عدوّة النظام الرسمي العربي ـ أصبحت تتقاسم عددًا من الدول العربية حماية وهيمنة على حساب الأمن القومي العربي".
ولفت المخلافي الانتباه إلى الخلل الذي واكب النظام العربي الرسمي منذ قيامه، وقال: "وجود النظام الرسمي العربي ارتبط بقضية الوحدة وبقضية الأمن القومي العربي، والتهديدات الخارجية ومنها التهديد الصهيوني ولاحقًا قيام "إسرائيل" كتهديد وجودي للنظام الرسمي العربي، وبالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمّة العربية ولشعوبها ودولها".
وأضاف: "رغم أنّ بريطانيا، التي كانت المخطّط والمنفّذ لاتفاقية "سايكس بيكو" التي مزّقت الوطن العربي وقضت على الطموحات العربية في الوحدة كما أنها هي صاحبة وعد بلفور "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" الذي أوجد الكيان الصهيوني وخلق المأساة الفلسطينية، لم تكن بعيدة عن صياغة النظام الرسمي العربي في بداياته ـ ولعل هذا مأزقه الحقيقي ـ فإنّ العرب وخاصة مع عصر الاستقلالات والثورات في الخمسينيات والستينيات لم يتخلوا عن الأمل في جعل النظام الرسمي العربي أقرب إلى طموحاتهم وتطلّعاتهم القومية، أكانت في قضية تطوير صيغ للتعاون والوحدة أو في القضية الفلسطينية".
وأكد المخلافي أن "مقتل النظام الرسمي العربي كان في عدم قدرته على التحوّل إلى صيغة ملزمة لأعضائه مؤسّسيًا وبقائه باستمرار في إطار توافق الضعف بين إرادات ومشاريع متعارضة، فنقلت له الأنظمة العربية ضعفها وفي كثير من الأحيان تبعيّتها بدلًا من أن تستفيد من قوّته كنظام موحّد لتتقوّى به".
وأضاف: "عند الدعوة للقمّة، راهنت شعوب الأمّة العربية على أنها قد تكون خطوة لإنعاش ما تبقى من النظام الرسمي العربي، لكن هذا النظام أكد أنه في غيبوبة لم يفق منها، وهو اليوم أمام تحدٍ وجوديّ كنظام رسمي، بل وإنّ دول الوطن العربي ستواجه نتيجة ما يحدث لفترة طويلة".
واعتبر المخلافي أنه كما "كان لنكبة 48 تأثير بالغ على النظام الرسمي العربي وعلى دوله وأقطاره، فإن لحرب غزّة التي لم تتضح بعد مساراتها وبالتالي نتائجها الكاملة آثارا أبلغ"، وقال: "إنّ مأزق النظام الرسمي العربي حتى الآن وعجزه وحجم الجرائم الصهيونية ومخططات التهجير والحديث الصهيوني عن "نكبة" جديدة، يضع هذا النظام أمام اختبار، فإما أن ينجح ويخرج من مأزقه ويستعيد تعبيره عن التطلّعات والأماني العربية والمصالح المشتركة، وإما أن يفشل ويدخل الوطن العربي في مرحلة أشد ظلامًا مما سبق من تمزّق وهيمنة أجنبية"، وفق تعبيره.