مع التضييق المستمر الذي يتعرض له نفوذها العسكري المباشر في المحافظات الجنوبية من اليمن، على خلفية الصراع الذي تخوضه مع السعودية، تعمل الإمارات على تأمين وجودها في تلك المحافظات من خلال الاستحواذ على امتيازات استثمارية في قطاعات سيادية كالنفط والاتصالات والخدمات، بالشراكة مع حكومة عدن، وهو ما يثير انقسامات متنامية في أوساط القوى الموالية للتحالف.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، فشل البرلمان المنشق عن صنعاء وعدد من أعضاء «المجلس الرئاسي»، في ثني حكومة معين عبد الملك عن إبرام صفقة بيع شركة «عدن نت» للاتصالات وخدمات الإنترنت، لشركة إماراتية تسمى «NX تيلكيوم»، ستستحوذ بموجبها الأخيرة على 70% من حصص الأولى التي تأسست برأسمال يبلغ 100 مليون دولار مطلع عام 2018، كمشغل وطني للإنترنت، ضمن مخطّط استهدف، آنذاك، سحب الصفر الدولي من صنعاء والتحكم بقطاع الاتصالات اليمني.
إلا أن ذلك المخطط باء بالفشل، بعدما تعثرت شركة «عدن نت» في تقديم أدنى الخدمات على مدى السنوات الخمس الماضية، ولم تتجاوز حصتها السوقية في المحافظات الجنوبية 14%، فيما خدماتها تركزت في مراكز المدن في عدن وأبين ولحج والمكلا، خلافاً لشركات وطنية منافسة غطّت كلّ أرجاء اليمن.
وعلى رغم ما تقدم، عمدت «NX تيلكيوم»، التي ليس لديها أي مشاريع سابقة في مجال تشغيل شركات الهاتف المحمول، إلى شراء الشركة بتأييد من التيار الموالي للإمارات في حكومة عدن وفي «المجلس الرئاسي».
وهو ما أثار الشكوك حول هدف أبو ظبي من شراء شركة متعثرة، ودفع بالمئات من الناشطين إلى تنظيم حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي لمطالبة الحكومة بالتراجع عن الصفقة التي اعترض عليها أيضاً نحو 22 برلمانياً، محذرين من تداعيات تمكين الإمارات من الاستحواذ على تلك النسبة من قطاع الاتصالات في المحافظات الجنوبية.
وبحسب مصادر في هذا القطاع، تحدثت إلى «الأخبار»، فإن الصفقة التي أُقرّت رسمياً في 21 آب الماضي، في اجتماع عقدته الحكومة في قصر معاشيق في عدن واستمر أكثر من خمس ساعات، لا يزال يكتنفها الغموض، كون الموقعين عليها هما فقط وزيرا الاتصالات والشؤون القانونية، فيما اعتمدها رئيس الوزراء من دون أن يُسمح للآخرين بالاطلاع على مضمونها.
وتشير المصادر إلى أن التسريبات الأولية تفيد بأن بنود الاتفاق تمنح الشركة الإماراتية، لمدة 25 عاماً، حق التحكم بقطاع الاتصالات في المحافظات الجنوبية والشرقية بشكل عام، وليست محددة بتشغيل «عدن نت» التي تمتلك أصولاً وأبراجاً في نطاق محدود.
إزاء ذلك، لم يجد وزير الداخلية في حكومة عدن، إبراهيم حيدان، بدّاً من توجيه رسالة إلى رئيسه، يطالبه فيها بإعادة النظر في العقود، كون تسليم قطاع الاتصالات إلى شركة أجنبية يشكّل خطراً على الأمن القومي الوطني.
وفيما ذهب المعارضون للصفقة إلى الاستقواء بعضوَي «الرئاسي»، عثمان مجلي، وسلطان العرادة، استقوى مؤيّدوها بممثّلي التيار الإماراتي في المجلس، وهم: عيدروس الزبيدي، طارق صالح وأبو زرعة المحرمي.
وقد بدأ التوجه الإماراتي لتأمين غطاء استثماري بديل للعسكري في المحافظات الجنوبية، وخاصة تلك الواقعة على الساحل الشرقي على بحر العرب، منذ مطلع العام الجاري، مع موافقة حكومة عدن على اتفاقية بقيمة أكثر من 100 مليون دولار، تمنح شركة وهمية تَبيّنت لاحقاً تبعيّتها للإمارات، حق إنشاء ميناء بحري في مديرية قشن الواقعة في محافظة المهرة، واستخدامه لنحو 50 عاماً تحت مبرر تصدير المعادن منه.
وأثارت تلك الموافقة ردود فعل مناهضة في أوساط البرلمان المنشق، فيما قوبلت برفض قبائل المهرة التي اتهمت السعودية والإمارات بالسعي إلى السيطرة على مناطق استراتيجية باتفاقيات مشبوهة، ولا سيما أن الشركة التي منُحت حق الامتياز لم يسبق لها أن عملت في مجال استخراج المعادن وتصديرها.
كذلك، تمكّنت أبو ظبي من تأطير وجودها في حضرموت، حيث تخوض صراعاً محموماً مع الرياض، من خلال إبرام اتفاقيات لإنشاء مشاريع استراتيجية في وادي المحافظة وساحلها.
ففي شباط الماضي، وقع وزيرا الكهرباء والنفط ومحافظ حضرموت، مع شركات إماراتية، على عقود تنفيذ ثلاثة مشاريع استراتيجية في المحافظة، هي: إنشاء محطة كهرباء تعمل بالغاز بطاقة توليدية تبلغ 150 ميغاواط، ومصفاة للنفط الخام بطاقة 25 ألف برميل يومياً مع خزانات ومنطقة حرة، ووحدة للغاز المنزلي في منطقة المسيلة، وهو ما أثار ردود فعل سعودية غاضبة.
يشار إلى أن صنعاء سبق أن أعلنت عدم اعترافها بتلك الاتفاقيات، وحذرت الشركات الأجنبية من إبرام أي صفقات مع حكومة عدن، محذرة إياها من أنها «ستكون بلا قيمة».
(الوطن الخليجية)