أمريكا وتحديات بايدن خالد اليماني 21-10-2023 07:40:37

more

يتناول الإعلام الأميركي بحرية مطلقة تفاصيل يومية لما يمكن تسميته بالوضع الحرج الذي تواجهه إدارة الرئيس جو بايدن قبل عام من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2024، فعوض سنّ الرئيس الكبيرة وانخفاض معدلات الدعم الشعبي لرئاسته وتعثر الاقتصاد الأميركي وتوتر المزاج العام بفعل اشتعال حرب غزة وتصاعد نذرها، إضافة إلى حرب أوكرانيا الطويلة وغير الناجحة، تخوض الولايات المتحدة احتمالات التورط في حروب ومواجهات أخرى مع الصين ربما في مضيق تايوان.

وفي أوج هذه الأزمات المتفجرة يواصل الجمهوريون، خصوم الرئيس بايدن، ممارسة أشكال الضغط كافة في الكونغرس ضد الإدارة الحالية، إضافة إلى فتح ملفات التحقيقات في مزاعم الجرائم التي ارتكبها هنتر ابن الرئيس، بما في ذلك مناقشة عزل الرئيس، وكلها تستهدف بقائه في السباق لفترة رئاسية ثانية خلال 2024.

وتضيف مجلة "ذا نيويوركر" في مقالة منشورة عبر عددها الأخير إلى قائمة التحديات التي تزيد الاستياء العام، إخفاق الإدارة في مواجهة ما يمكن تسميته باجتياح اللاجئين الحدود الأميركية الجنوبية، وما يشكله من ضغط غير مسبوق على الولايات التي رحبت باستقبالهم، وفشل الإدارة في مواجهة انتشار مخدر الـ "فينتانيل" وارتفاع عدد ضحاياه إلى أكثر من 100 ألف مع نهاية عام 2021، وانتشار الجريمة والأزمات الصحية النفسية لدى الشباب الأميركي وأثرها في حال الإجهاد الاقتصادي.

يرى الخبراء أن التزامات أميركا داخلياً ودولياً باتت أكبر بكثير من الموارد الاقتصادية اللازمة للوفاء بها، ويقول الأكاديمي في جامعة "كولورادو" المسيحية وليام مولوني في مقالة في صحيفة "ذا مسينجر"، إن هذا الوضع هو تماماً ما وصفه المؤرخ البريطاني بول كينيدي في 1987 بـ "تمدد الإمبراطوريات المفرط"، فأميركا اليوم في موقف صعب للدفاع عن الحدود الإقليمية لثلاث دول تبعد آلاف الكيلومترات عنها، في وقت تجتاح حدودها الجنوبية على نطاق غير مسبوق من قبل المهاجرين.

ويضيف مولوني أنه في زمن مختلف ربما حاولت أميركا حماية حدود الدول الثلاث وحماية حدودها الجنوبية، ولكن بتقديره فإن هذه المهمة أصبحت اليوم مستحيلة بصورة واضحة، وأنه يجب معرفة ما هي الأولوية ويقترح التركيز على دعم إسرائيل في المقام الأول، وفيما يتعلق بتايوان وأوكرانيا المهددتين من أكبر خصوم أميركا في عالم اليوم وهما روسيا والصين، فإن التحديات بنظره أكثر صعوبة وتعقيداً، وأن الخيارات والبدائل التي يجب أن تتخذها الإدارة الحالية لن تكون سهلة.

بايدن في وجه المدفع

في حقيقة الأمر فإن موقف الرئيس بايدن في هذه الأيام لا يحسد عليه، فولايته الأولى تشهد مزيداً من التحديات والاضطرابات محلياً ودولياً، فحينما ولج البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2021 كانت الديمقراطية الأميركية تواجه خطراً وجودياً تمثّل في رفض الرئيس السابق دونالد ترمب الاعتراف بالهزيمة،

وبرأي كثيرين فقد أفلح بايدن في استعادة التوازن لنظام الحكم، فتلاه بمواجهة جائحة كورونا ودفع الاقتصاد الأميركي من خلال ضخ مزيد من الموارد المالية لمصلحة خطة الـ "بايدنوميكس" للبنية التحتية، وأسهم بذلك في خلق مزيد من فرص العمل، ولكنه أفضى إلى مزيد من التضخم أيضاً.

وعلى الصعيد الخارجي أصر الرئيس بايدن على تجاوز صراعات الماضي بالخروج من أفغانستان وهو الخروج الذي تم بصورة فوضوية وأضر بصورة أميركا وصدقيتها، ولكن أميركا سرعان ما وجدت نفسها متورطة في مواجهة الحرب الروسية في أوكرانيا، وأنفق بايدن قدراً كبيراً من وقته ورأسماله السياسي في رص صفوف أوروبا لدعم كييف.

وبصورة متوازية كان على أميركا مواجهة الصين عبر إنشاء شبكة من التحالفات والشراكات والترتيبات العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفرضت قيوداً تكنولوجية على بكين، ولكن حسابات الحقل مع بايدن لم تتطابق مع حسابات البيدر، فتحولت فكرة الهجوم المضاد الذي كانت تعد له أوكرانيا طويلاً إلى حرب طويلة، فيما زادت الصين من سياساتها العدائية ضد واشنطن.

وربما شكلت أزمة وحرب غزة أكبر التحديات التي تواجه الرئيس بايدن لأنها أتت في مرحلة استنزفت أوكرانيا كثيراً من الموارد العسكرية الأميركية، لقول الرئيس بعظمة لسانه إنه اضطر إلى إرسال قنابل عنقودية لأوكرانيا لأن مخزون أميركا من الذخيرة بدأ بالنفاد.

لقد عمل الرئيس بايدن خلال الأشهر الماضية على مواجهة عجز المنظومة الديمقراطية الداخلية لحليفته الاستراتيجية إسرائيل، في محاولة لكبح جماح التطرف اليميني لحكومة بنيامين نتنياهو، وتلاه بسعي حثيت إلى هندسة اتفاق تاريخي استراتيجي بين إسرائيل والسعودية، لخلق أجواء تخرج المنطقة برمتها من أجواء الصراع إلى فضاءات التعاون عبر تنفيذ رؤية الدولتين التي اعتبرتها السعودية مدخلاً جوهرياً لنزع فتيل الصراع، وقدمت في الوقت نفسه المبادرات الحيوية لتعزيز الشراكات بين حلفائها في المنطقة، وأبرزها مباردة الممر الاقتصادي الذي يمر عبر الجزيرة العربية ويربط الهند بأوروبا.

واليوم تعطلت كل هذه الأفكار بعد أن نجحت إيران وعملاؤها من الميليشيات في المنطقة من تخريب مسار السلام بإدخال المنطقة في أتون حرب ومأساة إنسانية، لتطغي الكارثة على ما سواها.

وتظل أزمة العلاقات الصينية - الأميركية هي التحدي المرشح للتفاعل، ولهذا فإن أميركا تدرك تماماً أنها في حرب مفتوحة مع بكين في كل يوم وساعة وفي بقاع الجغرافيا الأرضية كافة من أفريقيا إلى جزر المحيط الهادئ، ومن شرق آسيا إلى أميركا اللاتينية، ومن جنوب آسيا إلى أوروبا في مجالات الاستثمار والتجارة والتكنولوجيا والملكية الفكرية والترسانات العسكرية، وبين غزة وأوكرانيا والصين تقف روسيا متربصة بكل فسحة تسنح لها لتصويب ضربة للولايات المتحدة.

بايدن وحروبه الداخلية

وفيما يستعد الرئيس بايدن لتقديم طلب عاجل للكونغرس لتمرير 100 مليار دولار لمصلحة تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان لعام 2024، يواجه مجلس النواب الأميركي منذ الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري فراغاً في رئاسته بعد أن أطاح الجمهوريون بكيفن مكارثي.

وربما تفضي المشاورات بين الجمهوريين إلى انتخاب أحد رموز اليمين المتطرف، مما يزيد من تعقيد العمل مع إدارة الرئيس بايدن في الوقت الذي ستواجه الحكومة الفيدرالية خلال الأسابيع القادمة احتمالات الإغلاق، سيواجه بايدن تحدي عدم تعطيل عمل الحكومة الفيدرالية.

ويقع على الرئيس بايدن ضمان الإبقاء على دعم الجمهوريين لأوكرانيا الذي بدأ بالتذبذب، فقد خصصت إدارته منذ فبراير (شباط) 2022 حينما اندلعت الحرب الروسية في أوكرانيا أكثر من 113 مليار دولار أميركي، في وقت يصر الجمهوريون على تخصيص مبلغ معتبر من الموازنة التي تقترحها الإدارة حالياً لمواجهة اجتياح اللاجئين للحدود الجنوبية.

في الأخير يجد بايدن نفسه يقود دفة أكبر دولة في العالم وهي تخوض حروبها الكثيرة وهو في أدنى مستويات شعبيته على الاطلاق، فيما يدرك علماء السياسة والأكاديميون في تقييمهم للوضع أن دولتهم تتعرض لحروب غير معلنة تقودها كل من الصين وروسيا وعملائهم في طهران وغيرها لتركيع أكبر قوة في العالم، ولتغيير طبيعة النظام العالمي الذي تقوده أميركا منذ نهاية الحرب الباردة.

ويرون علماء السياسة والأكاديميون أنه كلما تضاءلت قدرات الرئيس بايدن على الفوز في معاركه السياسية الداخلية لتعزيز مكانته ومكانة أميركا الخارجية، كلما فتح الباب على مصراعيه لمزيد من الضربات التي ستوجه لواشنطن، ومن هنا تشكل استعادة بايدن لمكانته السياسية الداخلية وبالتالي شعبيته أكبر التحديات على الإطلاق.

 

(اندبندنت عربية)