المصري يهزم الداخلية علي حسن 04/01/2023 20:27:36

more


نحن غارقون تمامًا فى عناد الرأى وصلف التوجه. هذا الغرق ربما ظهر لنا بشكل بالغ الفجاجة فى السنوات التالية لأحداث يناير 2011، لكنه حتمًا موجود قبلها بكثير. لم تتح الفرصة لنا كشعب من قبل أن يكون لدينا رأى ورأى آخر بالمعنى المعروف، حيث نقاشات ثرية وتبادل وجهات نظر فى القضايا المختلفة من فن وسياسة واقتصاد وترفيه وغيرها.

النقاشات الثرية فى الموضوعات المختلفة تعنى أن يتبادل الناس- سواء على القهوة أو فى مناظرة تلفزيونية أو غيرها- الآراء دون أن يبطح أحدهما الآخر أو يتهمه بأنه جاهل أو غبى أو سطحى أو «مش فاهم» أو عديم الخبرة إلى آخر قائمة ما نسميه اليوم تنمرًا أو تقليلًا من قيمة الآخر. حتى أحداث يناير ظلت القاعدة العريضة من الناس تعتقد أن الفروق الوحيدة بينهم تكمن فى قدرات الإنفاق. لكن مؤشرات الاختلاف فى وجهات النظر والانتماءات كانت موجودة، ولكن مكبوتة نظرًا لعدم وجود أدوات تعبير متاحة للجميع إلا فى أضيق الحدود.

أتذكر تلك المعارك الضارية فى محيط الأسرة بين محبى عبد الحليم حافظ وعشاق فريد الأطرش، أو بين المتيمين بأم كلثوم والمغرومين بأسمهان. صحيح لم يبطح أحدهم الآخر، ولكنى كطفلة كنت أستشعر «كهربة» الأجواء بين المختلفين. لا أتذكر إلا فيما ندر أن أحد أفراد الأسرة مثلًا قال إن صوت عبد الحليم جميل وكذلك فريد ولكنه يفضل فلانا.

ظلت المسألة محصورة فى أن تحب فريد معناها أن تناصب عبد الحليم العداء. وقس على ذلك الأهلى والزمالك، وعبد الناصر والسادات. أحداث يناير 2011 تزامنت ودمقرطة منصات التواصل الاجتماعى، وهى الأداة التى مكنت الجموع الغفيرة من التعبير عن وجهة النظر والانحياز والتفضيل دون قيود. ولأنها أداة متاحة فى كل أرجاء العالم، فإن تراوح سبل التعبير واختلاف طريقة قبول أو عدم قبول الرأى الآخر أمور تظهر بوضوح من شعب إلى آخر. الاختلاف وارد، بل هو سنة الحياة. لكن أن تخسر صديقًا أو تشتم قريبًا أو تشن حربًا شعواء على شخص لا تعرفه لأنه قال إن فلانًا- الذى تحبه- غير مقنع فى التمثيل أو مخفق فى السياسة أو ضعيف فى الكتابة الأدبية، فهذا أمر يستحق الدراسة.

وحين يضاف مكون ما يتصوره البعض أنه دين يتحول التنمر والشتم والاتهام بالجهل إلى تكفير وتشويه سمعة باعتبار المختلف كافرا. إنها إحدى مغبات تدين السبعينيات المظهرى العابس المتكلف المشوه المنغلق المتعجرف الفوقى السطحى المعطل للعقل «المكمل معانا» بكل همة ونشاط رغم نبذ أصحابه له. ولذلك تنضح الـ«سوشيال ميديا» بكم مزرٍ من الكراهية والفوقية والعنف الفكرى مرتدية جلباب الدين، حيث الاختلاف حرام والنقاش مكروه. نحن نرفع راية الاختلاف فى الرأى يفسد كل ود