يشير أنصار استعادة الدولة الجنوبية إلى أن الغالبية العظمى من الجنوبيين تؤيد ذلك، وقد يكون هذا الأمر صحيحا، إلا أنه لا يمنح الانفصال إي شرعيه قانونية، رغم أنه يمنحه شرعية سياسية، فرأى السكان الراغبين في الانفصال لا يعتد به في القانون الدولي، حتى لو وصلت هذه الرغبة نسبة الـ 100 %، لأنه وفي حال تم اعتماده كسبب للانفصال، فإن معظم الجماعات التي تشعر بالاضطهاد، أو لديها ثروات طبيعية ستنفصل مسنودة بأغلبية شعبية عارمة، فعلى سبيل المثال يقع معظم النفط السعودي في المناطق الشرقية ذات الأغلبية الشيعية، ويقع جزء كبير من النفط الإيراني في منطقة (خوزستان) أو (عربستان) ذات الأغلبية العربية، وعلى افتراض منح سكان هاتين المنطقتين الاختيار بين البقاء في دولها أو الانفصال، فإن المنطق يشير إلى أنها ستختار الانفصال وفقاً للدستور الحالي ودستور دولة الوحدة لم يكن بإمكان الرئيس السابق كما أنه ليس بإمكان الرئيس الحالي القبول بحق تقرير المصير، أو التفاوض على أي شي يفضي لانفصال الجنوب لأن هذا العمل يعارض الدستور ويعتبر جريمة، وحنثاً باليمين الدستورية.
آفة أي قضية المبالغة في طرح المطالب، فهذه المبالغة تخلق حالة من انسداد الأفق للحل، فبعد انطلاق الحراك بفترة وجيزة، رفع الحراكيون وبسرعة فائقة مطالبهم من مطالب حقوقية عادلة ومشروعة ولها الكثير من السند الشعبي الواسع في الشمال والجنوب، إلى مطلب الانفصال، وهو ما افقدهم التأييد الشمالي، الذي يعد الأمر الحاسم، فالأكثرية الشمالية هي من تملك، بالسلم والحرب، حسم القضايا، واستعدائها عبر الدعوة للانفصال الممزوجة بلغة عدوانية تجاه الشماليين، أدى وسيؤدي إلى ردود فعل غاضبة ومتطرفة في الشمال، وهو ما سيدخل الجميع في أزمة وتحديدا الجنوبيين، الذين سيعانون من استمرار المشكلة، فالأمن والتنمية الاقتصادية والخدمات، ستتراجع في الجنوب أكثر من الشمال، وسيكون المستفيد الأكبر من ذلك، القوى الجهادية، التي تزدهر وتقوى في هذه الظروف، أما دعاة الانفصال الذين لا يمتلكون قيادة موحدة، ولا إيديولوجية جامعة، فإنهم أبعد من أن يسيطروا على المناطق المضطربة، فخلال العام الماضي كان أنصار الشريعة/ القاعدة هم اللذين استفادوا من فراغ السلطة وليس قوى الحراك.
أن إيهام الجنوبيين بأحلام لن تتحقق، من خلال إيصال رسالة لهم بأن الانفصال قريب المنال، وما تبقى سوى تفاصيل حول اسم الدولة أو خطوات الانفصال – فك ارتباط ، فدرالية مؤقتة - لن يؤدي إلا إلى مزيد من القيود على قيادات الجنوب أنفسهم، فهم حين سيتصرفون بواقعية ويقبلوا بما دون ذلك، وهو ما ستفرضه عليهم الظروف الداخلية والخارجية، سيلقون معارضة من قبل الكثير من الجنوبيين الذين تم إيهامهم، من قبل قياداتهم السياسية ونخبهم الفكرية، بأن تحقيق الاستقلال أمراً سهلاً، وسيتم اتهامهم بخيانة القضية والتفريط بحقوق الجنوبيين واستلام ثمنها، وهذه المفردات جاهزة ورائجة بين سكان الجنوب.
إن فكرة استعادة الدولة كما يسوقها جناح البيض، تصور موضع الوحدة والانفصال، أشبة بعضوية نادي رياضي أو أدبي، متى ما تريد الخروج منه، ما عليك إلا أن تعلن عن ذلك في بيان سياسي أو مظاهرة هنا وهناك، ويتجاهل أصحاب هذا التيار أن النظام الدولي فيما يخص إنشاء الدول يخضع لشروط صارمة، وليس إلى رغبة جماعة مهما كانت قوية.
يوضح نص حكم المحكمة العليا الكندية أن قضية الانفصال ليست بالعملية السهلة والمقبولة حتى في الدول الديمقراطية المتطورة، وما دام الأمر كذلك فكيف هو الحال في دولة شبيهة باليمن، حيث يمكن للانفصال أن يؤدي إلى فوضى عارمة تعم الشمال والجنوب، وما الحال في السودان إلا نموذج لذلك، إذ أن انفصال الجنوب، لم يوقف الحرب، كما كان يؤمل من شجع على الانفصال، بل أن الحرب والفوضى في السودان أصبحت أسوا مما كانت عليه قبل الانفصال،وحدث هذا الأمر على الرغم من أن انفصال جنوب السودان كان قد تمت التهيئة له من قبل الدولة السودانية والعالم الخارجي.
لدعاة الفدرالية من إقليمين ومن ثم فترة يعقبها استفتاء لتقرير المصير، هذا الأمر لن يتم إلا في حال تم تغيير الدستور الحالي باستفتاء يشمل جميع سكان اليمن، وهو أمر لا يمكن توقع حدوثه في الوقت الحالي أو حتى بعد فترة.
يطرح أنصار القضية الجنوبية بأن الوحدة قامت بالشراكة بين الجنوب والشمال، وهذا الأمر صحيح من الناحية السياسية إلا أنه غير صحيح من الناحية القانونية. فالشراكة تتطلب وجود شركا بشخصياتهم الطبيعية أو الاعتبارية، ومنصوص عليهم في الوثائق التي قامت عليها الدولة، ولكن في الوحدة اليمنية أتفق طرفا الوحدة على تأسيس كيانا جديدا، وألغيا الكيانين السابقين، وجعلا من دستور الجمهورية اليمنية الوثيقة الوحيدة التي تنظم الحياة في دولة الوحدة، وبما أن هذا الدستور لم يمنح أي طرف من الأطراف التي وقعت على الوحدة أي سلطة خاصة. فإن الطرفين،
يطرح أنصار القضية الجنوبية بأن الوحدة قامت بالشراكة بين الجنوب والشمال، وهذا الأمر صحيح من الناحية السياسية إلا أنه غير صحيح من الناحية القانونية. فالشراكة تتطلب وجود شركا بشخصياتهم الطبيعية أو الاعتبارية، ومنصوص عليهم في الوثائق التي قامت عليها الدولة، ولكن في الوحدة اليمنية أتفق طرفا الوحدة على تأسيس كيانا جديدا، وألغيا الكيانين السابقين، وجعلا من دستور الجمهورية اليمنية الوثيقة الوحيدة التي تنظم الحياة في دولة الوحدة، وبما أن هذا الدستور لم يمنح أي طرف من الأطراف التي وقعت على الوحدة أي سلطة خاصة. فإن الطرفين، قانونيا، اتفقوا، على أن يتخلوا عن أي سلطات خاصة بهم بعد الوحدة، وأصبحت السلطة بعد إقرار الدستور وإجراء الانتخابات في ابريل 1993 ينظمها الدستور، فعلى سبيل المثال لو أن الانتخابات عام 1993 أدت إلى فوز طرف ثالث غير الشريكين الموقعين على اتفاقية الوحدة، فإن هذا الطرف كان مخولا من الناحية الدستورية على تسلم السلطة، وهو ما كان يعني إخراج الطرفين الموقعين على الوحدة من السلطة.
غياب أي أمل بالانفصال يتطلب من قادة الحراك التفكير بواقعية والبحث عن حلول واقعية لمطالبهم ضمن الدولة الواحدة التي هي الخيار الوحيد والممكن، على الأقل في المدى القصير والمتوسط.
تشدد القانون الدولي في رفض الانفصال من جانب واحد، ركن أساسي من الأركان التي يقوم عليها النظام الدولي، فالتساهل في هذا الموضوع سيقوض الأمن والاستقرار العالمي، ولهذا فإن هذا الرفض سيبقى دون تغيير في المستقبل، وهو ما يعني أن رهان الانفصاليين على تغير موقف دول العالم من قضيتهم، لحدوث تغير في المصالح، هو رهان خاسر، فهذا الموقف يتقدم على أي مصلحة اقتصادية أو استراتيجية، للدول الكبرى.
ينبغي على الشماليين الحريصين على الوحدة أن يتفهموا خوف الجنوبيين من طغيان الكثرة الشمالية، ولهذا عليهم أن يتقبلوا بصيغ وحلول تمنح الجنوبيين بعض الاطمئنان للقبول بالوحدة.
في الأخير هل يمكن أن نتوقع حدوث تغيير في مطالب الانفصاليين، حين يتم إشهار غياب الأساس القانوني لمطالبهم؟ الجواب يشير إلى أنهم لن يغيروا وجهات نظرهم بعد أن اقنعوا أنفسهم بأن الانفصال أمر ممكن، فهم، كما يبدو من أدبياتهم، غير مهتمين بالجوانب القانونية، إلا وفق تفسيراتهم هم وليس ما يراه العالم، وكما لاحظنا فإن تفسيراتهم لقراري مجلس الأمن يختلف جذريا عن الواقع، في نفس الوقت نجدهم يفسرون موقف العالم الخارجي الرافض للانفصال بأنه جهلا أو خيانة لهم والبعض يتحدث عن مجاملة للشماليين، وطرح الانفصاليين لقضيتهم بهذه الطريقة تجعلهم يغلقون على أنفسهم أبواب الالتقاء مع الرافضين للانفصال.
يتم التلويح من قبل بعض فصائل الحراك بالعمل العسكري لإجبار الحكومة المركزية والعالم الخارجي على القبول بالانفصال، ورغم أن العمل العسكري سيلحق أضراراً كبيرة باليمن، إلا أن قدرته على تغيير الواقع لصالح الانفصال محدودة لأكثر من عامل، فالعمل العسكري لا يمكن أن يؤدي إلى سيطرة كاملة لقوى الحراك على كل مناطق الجنوب وتحديدا المناطق الاستراتيجية (مدينة عدن ومحافظتي حضرموت وشبوه الغنيتان بالنفط) وأفضل ما ستسيطر عليه جماعات الحراك أجزاء من محافظتي لحج والضالع، وهي المناطق التي أصبحت منذ فترة خارج سيطرة الحكومة المركزية بشكل من الأشكال، والسيطرة الكاملة على هذه المناطق لن تفيد الدعوة للانفصال كثيراً بل أنها ستشكل عبئا عليه في حال قررت الحكومة المركزية حصارها اقتصاديا وعسكريا،حيث أن هذه المناطق هي من أفقر مناطق اليمن، وموقعها الجغرافي غير مهم من الناحية الاقتصادية أو العسكرية، إلى جانب ذلك فإن استخدام العنف من جانب الحراك سيؤلب عليه الكثير من العداء في داخل اليمن وخارجه، خاصة وأن أمن اليمن واستقراره قد أصبح جزءاً من الأمن القومي لدول مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهذه الدول وغيرها لن تسمح بتدهور الوضع الأمني لا من الحراك أو غيره.
يضاف إلى ذلك أن سيطرة الحراك الفعلي على كل أراضي الجنوب، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي، لا يمكن أن يمنح الانفصال الشرعية لغياب السند القانوني، وسيكون وضع الجنوب شبيها بوضع جمهورية أرض الصومال غير الشرعية.
أن الخلاصة التي سنخرج بها هي أن القضية الجنوبية ستبقى معضلة، فلا انفصال سيتحقق ولا وحدة حقيقية ستتم على الأقل في المستقبل القريب لليمن
ـــــــــــــــــ
هوامش
1- المقصود بالسلطة الشرعية هنا، هو اعتراف العالم الخارجي بما في ذلك الأمم المتحدة بالحكومتين، بغض النظر عن شرعيتهما السياسية بين مواطنيهما، وهذا مبحث سياسي وليس قانونياً.
2 - تم الاستفتاء على دستور دولة الوحدة في تاريخ 15، 16 مايو 1991 وقد تمت الموافقة عليه بنسبة 98,3 % من عدد من أدلوا بأصواتهم – يمكن الإطلاع على تفاصيل الاستفتاء في هذا الرابط http://www.almotamar.net/22may/showdetails.php?id=43
3 - أنظر موقع المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة
http://www2.ohchr.org/english/law/cescr.htm
4 - انظر نص القرار في موقع الامم المتحدة
http://www.unoosa.org/pdf/gares/ARES_25_2625A.pdf
5 - يمكن الإطلاع على نص الخطاب في الرابط التالي
http://hakaek-misr.com/showthread.php
6 - يمكن الإطلاع على نص الحكم في موقع المحكمة الكندية العليا على هذا الرابط
http://scc.lexum.org/en/1998/1998scr2-217/1998scr2-217.html
7 - يمكن الاطلاع على النص باللغة الانجليزية في موقع الأمم المتحدة على هذا الرابط
http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N94/236/01/PDF/N9423601.pdf?OpenElement
http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N94/270/14/PDF/N9427014.pdf?OpenElement