تم الإعلان عن عدد من الدول، إلا أنها لم تصبح دولاً حقيقية كاملة السيادة، ويرجع السبب إلى غياب السند القانوني الذي يمنح هذه الدول الاعتراف الخارجي ومن ثم السيادة الكاملة والشخصية القانونية الدولية، فالدولة وفق القانون الدولي تتكون من أربعة أركان هي: إقليم وشعب وحكومة وسيادة فالسيادة هي ركن أساسي لقيام الدولة ولا تتحقق السيادة إلا بالاعتراف الدولي والذي لا يشترط أن يكون اعترافاً كاملاً من جميع دول العالم وإنما من عدد معقول من الدول النافذة والمهمة في العالم الذي تجعل لهذه الدولة القدرة على التعامل مع العالم الخارجي. ومن هذه الدول ناقصة السيادة والغير معترف بها نشير إلى النماذج التالية:
جمهورية شمال قبرص:
سيطرت القوات التركية على شمال قبرص ذو الأغلبية التركية المسلمة عام 1975 وفي 15 نوفمبر1983 تم الإعلان عن قيام جمهورية شمال قبرص التركية، إلا أن جميع دول العالم، باستثناء تركيا، لا تعترف بهذه الدولة، فوفقا للقانون الدولي فإن هذه الدولة تقع داخل أراضي جمهورية قبرص ومن ثم فإن سكانها لا يمتلكون الحق بإنشاء دولة خاصة بهم استنادا إلى اختلافهم الديني واللغوي وربما العرقي عن بقية السكان.
جمهورية أرض الصومال:
بعد انهيار السلطة المركزية في مقديشو عام 1991، تم الإعلان عن جمهورية أرض الصومال في الجزء الشمالي من الجمهورية، والذي كان يعرف سابقا بالصومال البريطاني، وقد أستند سكان الإقليم إلى أسس تاريخية ليبرروا الانفصال، فالإقليم الذي قامت عليه جمهورية أرض الصومال اتحد مع الإقليم الجنوبي– الذي كان تحت الانتداب الإيطالي - في عام 1961، وعلى هذا الأساس يدعي قادة هذه الجمهورية أنهم يمتلكون الحق القانوني قي تكوين دولة خاصة بهم، إلا أن المجتمع الدولي والقانون الدولي لم يعترف بهذه الدولة رغم مرور أكثر من 21 عاماً على تأسيسها (تأسست في 18 مايو 1991) فجميع دول العالم تعتبرها جزءاً من جمهورية الصومال، ولم يشفع لهذه الدولة الاستقرار السياسي النسبي الذي تعيشه مقارنة ببقية الصومال، فهذا الوضع لا يبرر خرق القانون الدولي وإحداث سابقة خطيرة ستؤدي إلى تفكك الكثير من الدول خاصة في أفريقيا.
أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا:
أعلن إقليما أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، إنشاء دولتين لهما، منذ بداية التسعينات إلا أن هذا الأمر لم يتحقق كون هاذين الإقليمين يعتبران ضمن أراضي جورجيا ومن ثم فإن جميع دول العالم باستثناء روسيا ونيكارجوا وفنزويلا، لا تعترف بهاتين الدولتين.
تايوان:
في عام 1949 سيطر الشيوعيون الصينيون على العاصمة الصينية بكين، وفرت الحكومة السابقة إلى جزيرة تايوان، وأعلنوا من هناك أنهم الحكومة الشرعية لعموم الصين، وهو ما دعمته الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية،وقد أدى ذلك إلى حرمان حكومة بكين من الدخول للأمم المتحدة،والتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن، والتي كانت تحتله السلطة التايوانية. وقد أستمر الوضع على ذلك النحو حتى اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة الشيوعية في عام 1971، وتم حينها طرد تايوان من الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنحت حكومة الصين الشعبية في بكين ذلك الحق، والتي أصبحت وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2758) الممثل الشرعي والوحيد للكيان الصيني الذي عرف سابقاً بجمهورية الصين الموحدة، ويعني ذلك أن تايوان هي جزء من الدولة الصينية.
ومنذ ذلك الحين والحكومة في تايوان تفقد الكثير من الاعترافات بها لصالح الاعتراف بالحكومة في بكين، وحتى أكبر حاميي تايوان مثل الولايات المتحدة لا يعترفون بالحكومة التايوانية، لغياب أي سند قانوني، حيث أن الحكومة في بكين تعتبر تايوان جزءاً من الدولة الصينية، وتشارك معظم دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، وجهة النظر الصينية.
مقاطعة الكيبيك في كندا:
تمثل قضية الكيبيك في كندا نموذجاً لصعوبة عملية الانفصال في الدول المتطورة ذات النظم الديمقراطية الراسخة، فسكان مقاطعة كيبيك أجروا استفتاءين حول الانفصال عن الدولة الكندية في عامي 1980 و 1995 وفي الاستفتاءين لم تصوت الأغلبية مع الانفصال، رغم أن الاستفتاء الأخير فشل بفارق ضئيل جدا لم يتجاوز 0.6%. وفي عام 1997 تقدمت السلطة المركزية الكندية بأسئلة للمحكمة العليا الكندية تطلب رأيها حول حق مقاطعة كيبيك الانفصال من جانب واحد وفق الدستور الكندي والقانون الدولي؟ وهل يمنح القانون الدولي سكان مقاطعة كيبيك حق تقرير المصير«6».
والخلاصة أن قراري مجلس الأمن لا يقدمان أي فائدة تذكر لدعاة فك الارتباط وحق تقرير المصير، خاصة وأن قرار مجلس الأمن رقم (2014) الخاص باليمن شدد على دعمه وحدة واستقرار اليمن، وهو ما يزيل أي لبس قانوني حول الوحدة اليمنية.
النتائج
فك الارتباط أو حق تقرير المصير، يصنفهما القانون الدولي بأنهما محاولة للانفصال من جانب واحد، والقانون الدولي يحظر هذا الأمر لأنه يخالف أهم ركن من أركان النظام الدولي القائم على مبدأ سيادة الدول والمحافظة على سلامة أراضيها.
ليس من حق الجنوبيين بعد الوحدة الاندماجية في الانسحاب منها أو تعديلها من طرفهم فقط، مادام دستور دولة الوحدة قد نص على عدم جواز تغيير صفة الدولة. فالرأي في الوحدة أصبح من حق الشماليين والجنوبيين معا، لأنه أصبح أمرا يهمهم جميعا. فبعد الوحدة، تأسست مصالح عامة وخاصة لأبناء الشطرين، ولا يجوز لطرف واحد أن يلغي من جانبه مصالح الطرف الآخر، فهناك سكان شماليون استثمروا في الجنوب وعاشوا فيه، وبالمثل هناك سكان جنوبيون استثمروا في الشمال وعاشوا فيه، وبإعادة التشطير سيتضرر هؤلاء بشكل مباشر، وقد يصل الضرر بهم إلى حد فقدان حياتهم أو ممتلكاتهم جراء عملية التطهير “الشطري” إن صح التعبير، فوفقاً لما يتحدث به دعاة الانفصال فإن السكان الشماليين المقيمين في الجنوب من بعد الوحدة، والذي قد يصل عددهم إلى مئات الآلاف، ليسوا سوى مستوطنين ومحتلين، وهذا التوصيف يؤسس لثقافة التطهير وربما الإبادة للشماليين في المناطق الجنوبية، وحدوث أمر كهذا سيجر إلى عمليات انتقام تطال الجنوبيين في الشمال، والأمر الأصعب في هذه الحالة أن سكان الشطرين متداخلين فيما بينهم من خلال التزاوج إلى حد يجعل من المستحيل قيام حالات فصل سهل ومنظم لمواطني الشطرين.
إضافة إلى ذلك خلقت الوحدة حالة من الاعتمادية بين الشطرين في الكثير من المجالات خاصة المجالات الاقتصادية، فهناك مشاريع اقتصادية مشتركة تعتمد في بقائها على حالة الوحدة، أهمها محطة بلحاف لتسييل الغاز - أكبر مشروع استثماري في اليمن - فالمنشأة تقع في منطقة جنوبية (بلحاف – شبوه) بينما الغاز يأتي من محافظة مأرب الشمالية، وبالمثل نجد أن النفط المستخرج في منطقة مأرب يتم تصفيته في مصفاة عدن ومن ثم توزيعه للاستهلاك المحلي في عموم الدولة.
تصرفات الحكومة المركزية أثناء الحرب أو بعدها، ومهما بلغت في سوئها، لا تمنح الجنوبيين، وفقا للقانون الدولي الحق في الانفصال، فالكثير من الجماعات الراغبة في الانفصال حول العالم، تعرضت لقمع وتنكيل من السلطات التي تحكمها، أكبر بكثير مما تعرض له الجنوبيون، ومع ذلك لم يمنحها القانون الدولي الحق في الانفصال، كما هو حال الأكراد والشيشان في الدول التي يعيشون فيها،أن أفضل ما يقدمه القانون الدولي والمجتمع الدولي، للجماعات التي تعاني القمع والاضطهاد، هو المطالبة بمعاقبة المسئولين عن الانتهاكات، وتعويض الضحايا، وكفالة الحقوق الثقافية والسياسية لهذه الجماعات، والمساواة أمام القانون كبقية السكان.. يرى الانفصاليون بأن الطرف الشمالي لم يلتزم باتفاقية الوحدة، خاصة حين أخرج الطرف الجنوبي من السلطة عقب حرب 94، وعليه فإن دعوتهم لإنهاء الوحدة مبررة ومشروعة، فالوحدة كانت بين طرفين وإخراج أحد الأطراف ينهيها، وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي من الناحية السياسية، إلا أنه ليس له أي قيمة قانونية، فاتفاقية الوحدة جعلت دستور الجمهورية اليمنية المرجعية القانونية في الدولة، وهذا الدستور لا يشير لأي التزامات أو شروط يتطلب الوفاء بها استمرار الوحدة، أو إنهائها.
رغم أن الوحدة لم تؤدي إلى الاستقرار والتنمية في اليمن، إلا أن العالم الخارجي يدرك أن الانفصال سيزيد أوضاع اليمن سوءاً، فدولة بهشاشة اليمن سيعمل الانفصال على انهيارها بالطريقة الصومالية، ولهذا فإن العالم الخارجي سيستمر في معارضته لصيغة الانفصال مادام غير مقبول من الحكومة المركزية وأغلبية الشماليين، فالعالم الخارجي يرى بأن صيغة الوحدة لليمن هي أقل الصيغ سوءاً.