كان تحقيق الوحدة حلم اليمنيين. كان الشعب واحدا أما رجال الحكم والسياسة فقد تشعبت بهم السبل.
من سوء حظنا في الجنوب أن وقعنا في حبال تطرف اليسار الذي خنق البلد بطوق من العزلة وبسور عالٍ من الأوهام والشعارات تحولت فيه البلد الى حلبة صراع دموي داخلي ما يكاد يقف حتى تفتح نوافذ للصراع مع الجيران.
مفارقة عجيبة، عداء وخصام وقطيعة مع محيطنا وعمقنا يقابلها ود ووئام مع نيكارأجوا وكوبا هناك في المحيط الكاريبي. وضعنا أنفسنا في فوهة الاستقطاب في صراع عالمي لا ناقة لنا فيه ولا جمل دون وعي وإدراك أن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وأن السياسة لا تدوم على حال.
ولم يتأخر المأزق السياسي كثيرا فالجدار البعيد الذي استندنا اليه انهار وتداعى.
ولما كنا في صراع مع الجيران لم نحسب فيه حساب لتقلبات الزمان، ذهبنا الى وحدة عاجلة بأي صورة فليس لدينا وقت فالمركب يغرق، لنتحد في كل شيء إلا السلاح لا وحدة فيه الآن ويرحل شأنه الى حين، فالعقلية المشحونة بخبرة طويلة من الصراع لا يمكنها أن تضع السلاح بسهولة، من يدري فحين يصل بنا قارب النجاة الى الشاطئ قد يكون لنا خيار آخر وقد كان. ببعض من الذرائع انفجر الوضع واشتعلت الحرب فكر رفاقنا بكل شيء، بالجيش الذي له سمعة مرعبة في الجوار، في القرار السياسي الموعود، وصلنا الى الشاطئ لم يبق الا وثبة صغيرة ونصل. الشيء الذي لم يحسب له حساب هو الشعب الذي خرج عن آخره مسرورا بالوحدة يوم إعلانها، وارتفعت عن صدره صخرة ثقيلة والتقى الشمل.
صحيح أنه لم يستشر في صنع قرار الوحدة لكنه موحد بطبيعته وغير مستعد للتخلي عنها، سقط رهان إضاعة الوحدة بالسلاح. والحقيقة أن من أسقطه هو الشعب وفي الجنوب تحديداً، ولكنه أيضاً لم يتم تطبيب الجراح بالسلام بل ارتكبت الأخطاء، ولكن هذا لم يكن مبرراً أن تتحول فيه الوحدة الى خصم وبجرد الأخطاء، فأخطأ سنوات الضياع الثمان الأخيرة قد فاقت ما سبقها.
في ذكرى الوحدة التي عشناها حلماً جميلاً واحتفلنا بتحقيقها بمشاعر الشعب الصادقة جنوبه وشماله وأسفنا لما أساء لها من أفعال في هذه الذكرى نقول من غير الممكن استبدال هويتنا اليمنية بهوية لا ملامح لها ولا مرجع، ولا أن نتخلى عن قناعتنا بإن اليمن الواحد بنظام يحقق العدالة التي لا هيمنة فيها ولا استئثار هي خير لليمن شماله وجنوبه. وأن تسلط الحوثي المعتدي على الشعب اليمني ليس مبرراً للإساءة للوحدة. فلا حكم المستعمر البريطاني ولا تسلط الإمامة مع طول عهدها قد منعا اليمنين من أن يحتفظوا بحقهم في وحدة وطنهم.
الوحدة قيمة أصيلة لا يمكن انتزاعها لأخطاء مورست ولا لواقع طارئ لا يمكنه الدوام. فلحظات الضعف والتراجع لا تجعل الأمم الحية تتخلى عن قيمها ولا هويتها.
ثم أين هي المشاريع والنماذج التي يمكن عرضها كبديل مقنع يجعل الناس تتمسك بها. لقد فقدنا وقتاً طويلاً من عمر بلدنا سيراً خلف شعارات كانت عواقبها وخيمة. جعلتنا نتخلف كثيراً عن ركب محيطنا الذي نمى وتطور وبقينا مكبلين بها.
واليوم مطلوب منا إعادة التجربة من جديد بصورة أكثير تيهاً وأي تيه أسوأ من ضياع الهوية وبناء مشاريع على غير أساس..
· من صفحة الكاتب في الفيسبوك